مقالات

الياس حرفوش: نساء «داعش» في الواجهة

مع أن قادة تنظيم «داعش» معروفون بقسوة قلوبهم وبغلاظة اللسان في تهديداتهم لضحاياهم وللأسرى الذين يقعون في أيديهم، كما أن السائد أن نظرتهم إلى النساء تتراوح بين اعتبارهن سبايا يصلحن للبيع إذا تم احتجازهن، أو أدوات للمتعة إذا حصل الزواج بهن، إلا أن سيدات «داعشيات» قفزن في الفترة الأخيرة إلى صدارة المشهد وظهر دورهنّ المساوي للرجل في نشاطات التنظيم الإرهابي، وأصبح الإفراج عنهنّ، من سجون الأردن ولبنان، على رأس قائمة مطالب التنظيم الإرهابي وصنوه الآخر «جبهة النصرة».

هكذا تحتلّ سجى الدليمي وساجدة الريشاوي وعلا العقيلي صدارة المشهد الإعلامي هذه الأيام، وربما كانت هناك غيرهنّ في قيادات التنظيم ممّن لا نعرف أسماءهن. ساجدة محكوم عليها بالإعدام في الأردن، بعد إدانتها بالمشاركة في تفجيرات فنادق عمان في عام 2005، التي سقط فيها أكثر من ستين قتيلاً، وكانت ساجدة واحدة من الانتحاريين الأربعة، لكن حزامها الناسف لم ينفجر وتم إلقاء القبض عليها بعد أن لجأت إلى منزل أحد أقاربها في مدينة السلط. أما سجى فهي موقوفة في لبنان من جانب السلطات الأمنية بتهمة تمويل أعمال إرهابية بعد أن اعتقلتها أجهزة الأمن اللبناني وفي حوزتها مبالغ من المال كانت تقوم بتهريبها إلى مقاتلي «داعش» و «جبهة النصرة»، الذين ما زالوا يحتجزون عسكريين لبنانيين وعدداً من أفراد الأمن الداخلي بعد خطفهم خلال المعارك مع الجيش اللبناني في بلدة عرسال في البقاع. وفي العملية ذاتها احتجزت الأجهزة اللبنانية علا العقيلي زوجة أبو أنس الشيشاني، أحد قادة «جبهة النصرة». وأدى توقيف سجى وعلا إلى إقدام «النصرة» على قتل الجندي اللبناني علي البزال الذي كان أحد المحتجزين لديها بعد معارك عرسال في الصيف الماضي.
لم يكن معروفاً حتى الأسبوع الماضي أن ساجدة الريشاوي لها أي قيمة تذكر بالنسبة إلى «داعش». كانت سجينة منسيّة، يسود الاعتقاد، حتى بين أهل ضحايا التفجيرات، أنها مجرد امرأة عادية ساذجة، إلى حد أنها فشلت في تفجير حزامها! حتى المسؤولون في «داعش» لم يعيروها أي اهتمام عندما وضعوا لائحة مطالبهم الأولى بإطلاق الرهينتين اليابانيين اللذين خطفوهما وطالبوا بمئة مليون دولار مقابل إطلاق كل منهما. لكن أهمية ساجدة ظهرت عندما أعلن التنظيم أنه يريد إطلاقها مقابل الرهينة الياباني الثاني، فأصبحت ورقة أساسية في التفاوض غير المباشر بين «داعش» والسلطات الأردنية، وصار إطلاقها مرتبطاً بالإفراج عن الطيار الأردني الذي أسقطت طائرته فوق سورية، عندما كان يشارك في إحدى الطلعات التي يقوم بها سلاح الجو الأردني ضمن مشاركته في عمليات التحالف الدولي ضد «داعش». وكما أن سلامة الطيار الكساسبة صارت مرتبطة بمصير ساجدة، هكذا الأمر بالنسبة إلى الجنود اللبنانيين الذين يرتبط بقاؤهم أحياء بمصير سجى الدليمي وعلا العقيلي.
اختار «داعش» الحلقات الناعمة في هياكله التنظيمية التي لا تثير الشبهات على الحدود ولا في المطارات، كما استغل التقاليد السائدة التي لا تسمح بالتفتيش الدقيق للنساء مثلما هي الحال مع الرجال. ساجدة دخلت بحزامها الناسف إلى عمان، وأوحت للمسؤولين الأمنيين بأنها كانت تستعد لحفل زفافها من زوجها علي الشمري الذي قتل في الانفجار. وأصبح إطلاقها مطلباً مهماً للتنظيم، وذلك تقديراً لدورها السابق ولأن شقيقها تامر كان «أميراً» لـ «القاعدة» في الأنبار أيام الاحتلال الأميركي ومساعداً كبيراً لأبو مصعب الزرقاوي.
أما سجى الدليمي فهي زوجة سابقة لأبو بكر البغدادي، ويقال أن زواجهما لم يدم أكثر من ثلاثة أشهر لكن لها طفلة منه. ولم يمنعها انقطاع صلاتها الزوجية بزعيم «داعش» من متابعة نشاطها، فقد كانت تعتبر صلة الوصل الأساسية بين قيادات «داعش» في سورية والعراق، والمقاتلين على الجبهات في البلدين، وعند الحدود السورية – اللبنانية. كما كانت تتحكم بمبالغ مالية طائلة، تقدر بمئات آلاف الدولارات. وكانت سجى إحدى السجينات اللواتي أصرّت «جبهة النصرة» على إطلاق سراحهن مقابل الإفراج عن راهبات معلولا في شهر آذار (مارس) من العام الماضي.
الجنس اللطيف له دور وتقدير في صفوف «داعش» و «النصرة». وبعكس معاملتهم لأسيراتهم وغنائمهم النسائية، فإن سيداتهم ومن يحصلن على الحظوة لديهم يتمتّعن بمكانة كبيرة. وهو ما اكتشفته سلطات الأمن في عمّان وبيروت.

الحياة _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى