ماذا تريد إسرائيل من خصومها المفترضين أكثر من ما يقدمونه لها من هدايا باذخة تتمثل في منحها شرعية، وتجميل صورتها أمام شعوب المنطقة، وجعلها تبدو بمظهر دولة طبيعية. حاول الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله في خطابه، الذي ألقاه مؤخرا بعد استهداف مقاتلي الحزب لقافلة إسرائيلية في مزارع شبعا ومقتل جنديين وجرح سبعة، أن يعيد إنتاج حزب الله كحزب مقاومة، وأن يعيد إليه بعضا من شرعية مسحتها مشاركته في حرب النظام السوري ضد شعبه.
عملية شبعا التي جاءت ردّا على عملية القنيطرة، التي أودت بحياة ستة من قياديي الحزب والعميد الإيراني محمد علي الله دادي، تفصح، بشكلها المحدود وذلك البرود والضبط الذي تميزت به عملية الرد الإسرائيلية عن وجود “تنسيق” ما، يستجيب لمصالح كل من الطرفين، في اللحظة الراهنة.
حرص حزب الله على إيصال رسالة للإسرائيليين يعلن فيها أنه سيكتفي بهذا الرد، وصدرت تصريحات إيرانية اعتبر فيها القائد العام للحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري هذه العملية بمثابة رد موحد لإيران وحزب الله على العملية الاسرائيلية، ما يعني أن كل التصريحات التي كانت تهدد إسرائيل برد مزلزل وقاس والتي دأبت القيادة الإيرانية على إطلاقها في الفترة التي سبقت العملية تم تقزيمها وتقليصها وصبها في قالب عملية شبعا وحشرها فيها، ثم العمل بعد ذلك على محاولة تضخيمها إعلاميا للتوازن مع حجم التصريحات النارية للقيادات الإيرانية وإعلاميي حزب الله وكوادره.
خط ردود الأفعال كان موحدا بين الإسرائيليين والإيرانيين وحزب الله وظهر ذلك في خطاب نصرالله الذي عمل فيه على إنشاء توازنات بين حزبه وبين الإسرائيليين حيث قال “قتلونا في وضح النهار فقتلناهم في وضح النهار، وأحرقوا سيارتين فأحرقنا سيارتين وحبة مسك”، ولكنه من ناحية ثانية أعرب بوضوح على أن حزب الله لا يريد الحرب ولكنه لا يخشاها، وأنه لم يعد هناك من قواعد اشتباك.
عمد الإسرائيليون إلى الرد على تصريحات أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، بالصيغة نفسها التي دأب نظام بشار الأسد في سوريا على استخدامها حين يتعرض لضربة إسرائيلية، وهي صيغة الرد في الزمان والمكان المناسبين، وهي صيغة لم يكن مألوفا استخدامها إسرائيليا.
من هنا يمكننا أن نسأل عن الطريقة التي يرسم فيها كل طرف من الأطراف خريطة مصالحه؟
نصرالله اعتبر في خطابه أن الجماعات التكفيرية تكمل ما يقوم به الإسرائيليون، وأن عملية شبعا وحّدت الدم الإيراني واللبناني على الأرض السورية.
هذا يعني أن الحرب التي يخوضها حزب الله ضد من يسميهم بالتكفيريين ليست منفصلة عن حربه مع إسرائيل ولكنها تتكامل معها، بل إن هناك وحدة بينهما، وتاليا فإن عملية شبعا من شأنها التأسيس لشرعية مفتوحة تطال كل ما يقوم به الحزب في سوريا.
المواقع الإسرائيلية فسرت لماذا قررت القيادة الإسرائيلية عدم الدخول في حرب مع حزب الله حاليا، ونشرت تحليلات مفادها أن القيادة الإسرائيلية تعتبر أن الدخول في حرب مع حزب الله سيؤدي إلى خروجه من سوريا وتعريض نظام الأسد للسقوط، لهذا فمن الأفضل ترك حزب الله يقوم بمهمة حماية الأسد.
يلتقي حزب الله وإسرائيل إذن في الدفاع عن هدف واحد هو الحرص على الدفاع عن نظام الأسد. تتحالف معهم في ذلك الجماعات التكفيرية التي أعلنت سابقا وبشكل واضح أن أولوياتها لا تتضمن محاربة إسرائيل بل محاربة من يخالفها الرأي من السوريين والعراقيين.
هل يكون حزب الله في هذه الحالة عدوا لإسرائيل أم مكلفا بشكل شبه رسمي من قبلها أو بغض نظر مدروس منها بإدارة معركة بقاء الأسد لمصلحتها، والعمل على إكساب الجماعات التكفيرية مشروعية نضالية تجعلها ناطقة باسم مناهضي نظام بشار الأسد في مقابل إجهاض الصوت المعتدل.
حزب الله وإسرائيل وإيران يلتقون ضد السوريين العاديين لأنهم يعرفون أنهم ملح الأرض اليوم وغدا وهم من يعادون إسرائيل فعليا.
حزب الله وإيران واسرائيل يحاولون إذابة هؤلاء السوريين لأنهم هم من سيرفعون لواء محاربتهم، لأن المكان لهم وكذلك التاريخ، في حين أنهم جميعا ليسوا سوى عابرين. إجماع إيران وإسرائيل وحزب الله هو على محاربة السوريين إذن. من هنا جاء هذا الضبط الدقيق للأمور في لحظة بات فيها حزب الله لا يستطيع إعلان نفسه ويقولها عاليا كما اعتاد بأنه عدو لإسرائيل، وأن يشتري بهذه العداوة توصيف المقاومة ويمارس ابتزازا مفتوحا بواسطته، بل باتت عداوته لإسرائيل ملحقا إنقاذيا يستخدمه للتغطية على شبكة عداواته الواسعة التي باتت تطال كل شعوب المنطقة.
تسعى إسرائيل في هذه اللحظة إلى خلق صورة لها تضعها في موقع واحد مع شعوب المنطقة التي تبادل حزب الله العداء حتى تكون أيّ ضربة مستقبلية له تختارها في توقيت يناسبها منسجمة مع رغبات الشعوب التي لن ينتظر منها أحد في لحظة تلقيها لهذه الكتلة الهائلة من التنكيل أن تكون مهتمة بهوية من يضرب قاتلها، فهي دون شك سترحب بالشيطان إذا كان سيضرب الأسد.
عنف النظام وتنكيل حزب الله بالسوريين جعلا الإسرائيليين يضعون أنفسهم في خط مواز مع شعوب المنطقة. تاليا لن يكون الوجه الفعلي القبيح للإسرائيليين ممتنعا من التكرار في المنطقة عبر كيانات مصطنعة مماثله تُسلخ من جسد الجغرافيا السورية والعراقية واليمنية لمصلحة دولة ولاية الفقيه المتهالكة والساعية إلى إعادة إنتاج نفسها من خلال نشر بؤر سرطانية تابعة لها في المنطقة واستعمالها كوسيلة ابتزاز وضغط.
وبعد ماذا تريد إسرائيل من خصومها المفترضين أكثر ممّا يقدمونه لها من هدايا باذخة تتمثل في منحها شرعية، وتجميل صورتها أمام شعوب المنطقة، وجعلها تبدو بمظهر دولة طبيعية.
لن يكون إذن مستغربا أن نشهد قريبا تظاهرات إسرائيلية ترفع يافطات مكتوب عليها: “شكرا إيران، شكرا حزب الله”.
العرب اللندنية _ وطن اف ام