اغتالت إسرائيل ستة من رجال حزب الله، يتقدمهم جنرالٌ إيراني في القنيطرة السورية، فردّ الحزب، من مزارع شبعا اللبنانية، بقتل ثلاثة، وجرح ما يُقارب تسعة، من جنود الاحتلال.
اندلع إثر هذه المواجهة نقاش حاد في المجال العام العربي، بشأن موقع حزب الله من الصراع العربي الإسرائيلي، بعد انضمام الحزب على خط نار الأزمة السورية، وتراجع ظاهر المواجهات في الجنوب. دشن حزب الله مسيرته بمقاومة إسرائيل، بعد اجتياج بيروت 1982، من خلال خلايا بسيطة، كان يقودها عماد مغنية الذي كان قبلها أحد كوادر منظمة التحرير الفلسطينية، واغتالته إسرائيل على الأراضي السورية عام 2008، وكان للحرس الثوري الإيراني الدور الأبرز في تدريب عناصر الحزب، ومدهم بالسلاح والمال والإيديولوجيا. ولأن حزب الله مرتبط مباشرةً بالولي الفقيه في الجمهورية الإسلامية، فإن علاقته بإيران لا تتأثر ببرامج عمل الحكومات الإيرانية المتعاقبة، وذلك دائماً ما عرضه للنقد والتساؤل، عن دوره وموقعه السياسي، فذهب كثيرون من خصومه لوصفه “أداة إيرانية”، غايتها توسيع نفوذ طهران في الوطن العربي، خصوصاً، وأن إيران ما بعد الثورة ليست على علاقة طيبة مع حكومات كثيرة في المنطقة، إما بسبب مذهبها الرسمي المختلف عن مذهب الأغلبية الدينية في الدول العربية، أو بسبب فكرة تصدير الثورة التي أطلقها الخميني. للوهلة الأولى، يتهيأ لبعضهم أن حزب الله كان دائماً على علاقة ودية مع حلفائه، وأن هذه العلاقة العضوية التي نشاهدها، الآن، هي نفسها لحظة انطلاقة الحزب الأولى، لكن المتتبع لتاريخ حزب الله يعلم جيداً أن العلاقة مع السوري والإيراني مرّت بمراحل كثيرة، حتى وصلت إلى الوضع القائم الذي نشاهده اليوم، فحزب الله بعد انتصار 2000 ليس هو حزب الله ما قبلها. بعد رحيل الرئيس السوري، حافظ الأسد، وقدوم ابنه بشار تطورت العلاقة بين الطرفين، وكانت قد مرت في عهد الأسد الأب في مد وجزر، وساءت وقت خصومة الحزب مع حركة أمل، الحليف الوثيق للنظام السوري، لكن العلاقة أصبحت مع القصر مباشرة في عهد الأسد الابن، ولم تمر بإدارة ملف لبنان الذي كان يتزعمه عبد الحليم خدام وغازي كنعان آنذاك. وكذلك الحال مع الحرس الثوري الإيراني، الذي كان يتحفظ على فتح مخازنه وعتاده لعناصر الحزب، لكنه اكتشف أن الحزب جدير بها، بعد انتصار 2006، بشكل أكبر مما كانت عليه قبلها، بعد ما أثبت الحزب فعالية عالية في قتال إسرائيل. إذن، تطورت علاقة الحزب بحلفائه، بسبب انتصاراته التي حققها، وأن الحزب ينظر لهذه العلاقة من باب مصلحة المقاومة، فـ”جهوزية المقاومة” عسكرياً هي التي تشغل صدارة أولويات قيادته، وبناءً عليها، يحدد الحزب خياراته، إنْ لجهة التحالفات المحلية داخل الأراضي اللبنانية، سواء كانت مع ميشيل عون أو غيره، أو حتى الإقليمية منها. ولهذا، كانت الصدمة كبيرة عند بعض المتابعين، حينما قرر الحزب الانخراط في الأزمة السورية، من دون مراعاة للرأي العام العربي والحساسية الطائفية المفرطة التي تكتنفه، فالواضح، من مراقبة أداء الحزب وسلوكه السياسي، أنه لا يتصرف أبداً، إنْ عسكرياً أو سياسياً، وفقاً لما تُمليه رغبة الجماهير العربية. هناك ثلاث دوائر شعبية، تحظى باهتمام حزب الله. الأولى ما يطلق عليه الحزب “البيئة الحاضنة”، أو جمهور المقاومة في لبنان، ولهؤلاء معاملة خاصة، نتيجة التكلفة التي يدفعونها جراء التصاقهم بالحزب واحتضانهم له. ثانياً، الشعب اللبناني، بمختلف طوائفه؛ لأن هؤلاء على تماس يومي بحزب الله وجمهوره، ويتأثرون، أيضاً، مباشرة بالعدوان الإسرائيلي. أخيراً، الجمهور العربي المؤيد للمقاومة، وهذا جمهور قد يزيد أو ينقص، بحسب الظروف الإقليمية، لكن خسارة جزء منه لا تؤثر كثيراً على قرارت الحزب. الواضح، لنا نحن المراقبين، أن مجلس شورى حزب الله حين يجتمع لاتخاذ قرار ما، لا يحسب حساباً كبيراً لأهواء القاعدة الشعبية، ولا حتى الأغلبية المذهبية التي ينتمي إليها، فقد سبق للحزب، وأن صادمها بشدة، حينما أعلن الأمين العام، السيد حسن نصر الله، عن موقفه المناهض للأغلبية الشيعية في العراق والمنطقة، بضرورة فتح حوار مع الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، وإيجاد تسوية سياسية على شاكلة اتفاق ” الطائف”، لكن بين العراقيين، لمنع غزو العراق، وكان الحزب يضع حينها نصب عينيه أن المستعمر الأميركي عائد إلى المنطقة، بذريعة الحرب على الإرهاب من بوابة العراق.
“جمهور المقاومة ليس في أحسن أحواله، بعد ضياع حضن سورية، وانشغال قطاعات واسعة داخل الحزب بالحرب الطاحنة هناك”
لا أحد يستطيع إنكار البنية المذهبية لحزب الله، أو لعقيدته الصلبة المتمثلة بولاية الفقيه، وهذه العقيدة تؤثر، بشكل أو بآخر، في سلوكيات عناصر الحزب وقياداته وتصرفاتهم، لكنها تُطوع لخدمة المقاومة، لا المقاومة التي تعمل في خدمة العقيدة، أو الانتماء المذهبي، وتظهر أكثر ما تظهر هذه القاعدة، من خلال دعم حزب الله المقاومة العراقية التي كانت أكثر فعالية في قتال المحتل الأميركي، كما ذكرت “واشنطن بوست”، وكذلك، في دعم حركات المقاومة في فلسطين، على الرغم من الموقف السلبي الذي يكنه بعض جمهور حزب الله الخاص لبعض الفصائل الفلسطينية، نتيجة مواقفها السياسية والدينية، ومنها مثلا، مشاركة بعض شباب مخيم عين الحلوة في ضرب الضاحية الجنوبية بالمفخخات، أو من خلال تأبين حركة حماس زعيم القاعدة في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، الذي كان يستهدف قتل الشيعة بلا مواربة. مثلت حادثة القنيطرة فرصة ذهبية لخصوم حزب الله للتشفي فيه، وكانت التقديرات تقول إن الحزب لن يرد على إسرائيل، هذه المرة؛ تارة لأن إيران تسعى إلى حفظ علاقاتها مع الغرب في أثناء فترة التفاوض على النووي، وتارة أخرى، لأن جمهور المقاومة ليس في أحسن أحواله، بعد ضياع حضن سورية، وانشغال قطاعات واسعة داخل الحزب بالحرب الطاحنة هناك. ثمة جهل بعقلية حزب الله، وطريقة تفكيره، وهي نابعة من الاتكاء على التفسير المذهبي لمنطلقاته، ومن إلغاء القضية الفلسطينية أو تجاهلها، والصراع مع العدو الإسرائيلي، واستعدادات المقاومة وجهوزيتها العسكرية، وفي هذا سوء معرفة عميقة بماهية الحزب، وعلى أي الدرجات تُرصد حركته.
العربي _ وطن اف ام