مقالات

بدر الإبراهيم : الجولان وشبعا معاً

بعد عملية القنيطرة التي نفذها الإسرائيليون، وأودت بحياة ستة عناصر من حزب الله، وجنرال إيراني، توقع محللون أن حزب الله لن يرد، وأن انشغاله في المعارك على الأرض السورية، وعدم رغبته في الانجرار إلى حرب مع إسرائيل، سيمنعه من الرد على الغارة الصهيونية.

لم يفهم هؤلاء المحللون والمراقبون كيف يفكر حزب الله إزاء استهدافٍ من هذا النوع، كما أن بعضهم فاته أن الحزب رد على عدة عمليات إسرائيلية في السنتين الأخيرتين، وهو (على عكس نظام الممانعة السوري الذي يُضرَب ولا يرد) لا يُسلِّم للإسرائيليين بصياغة معادلات جديدة على الأرض.
ردَّ حزب الله على العمليات التي استهدفت مواقعه، أو عناصره، في لبنان خلال الفترات الماضية، ففي أغسطس/آب 2013، تسللت مجموعة إسرائيلية داخل الحدود اللبنانية، ليواجههم مقاتلو الحزب بكمين محكم. وبعد غارة إسرائيلية على موقع جنتا على الحدود اللبنانية السورية في فبراير/شباط 2014، قام حزب الله بتفجير عبوة ناسفة في دورية إسرائيلية في مزارع شبعا، وفي أكتوبر/تشرين الأول، قام الحزب بعملية أخرى في مزارع شبعا المحتلة، رداً على تفجير جهاز تجسس إسرائيلي بأحد عناصره في جنوب لبنان.
استهدف الإسرائيليون أسلحة للحزب في غارات داخل سورية، وردَّ الحزب بتسخين جبهة الجولان، ففي مايو/أيار 2013 قصفت الطائرات الإسرائيلية شحنة أسلحة للحزب في دمشق، فبدأت بعدها سلسلة من العمليات في الجولان، منها تفجير عبوة في مارس/آذار 2014 أصابت جنوداً إسرائيليين، ولم يخفِ الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، تدريب الحزب مجموعات سورية، تقوم بأعمال مقاومة في الجولان، والاستهداف الأخير في القنيطرة كان لمجموعات الحزب التي تشرف على تسخين جبهة الجولان.
جاءت العملية الأخيرة في مزارع شبعا، رداً على غارة القنيطرة، أقوى من ردود سابقة، لتتناسب مع حجم العملية الإسرائيلية التي كانت أقوى من الاستفزازات الإسرائيلية السابقة أيضاً، والعملية نُفِّذت بشكل متقن، ضد قافلة صهيونية، في وضح النهار، على الرغم من محاولتها التمويه، والتزام الإسرائيليين احتياطات أمنية مشددة، لتسجل نجاحاً استخباراتياً للمقاومة، وتؤكد قدرتها. لكن، ما لم ينتبه له كثيرون أن العملية جاءت بعد يوم من إطلاق عدة صواريخ على الجولان المحتل، في عمل تمويهي، لكنه يحمل دلالات رمزية كثيرة، إذ أكد هذا العمل على التحول الذي حصل في جبهة الجولان، بعد أن باتت جبهة واحدة مع الجنوب اللبناني، وهو ما أكده أمين عام حزب الله، في حديثه عن انتهاء قواعد الاشتباك الحالية، ونهاية تفكيك الجبهات.
عمل الإسرائيليون طويلاً على تفكيك الجبهات العربية، والتعاطي مع كل طرف عربي على حدة، سواءً في التعامل الميداني المباشر، أو في المفاوضات السياسية، وقد كسر هذا التوجه الإسرائيلي، التعاون العسكري الاستراتيجي بين المقاومتين، اللبنانية والفلسطينية، بيد أن توحيد جبهتي الجولان وجنوب لبنان خطوة متقدمة، خصوصاً وأن جبهة الجولان كانت هادئة، طوال العقود الماضية، وهي، اليوم، بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، تفقد الاستقرار الذي نعمت به عقوداً، وتتحول إلى مكانٍ غير آمن للمستوطنين، وهذه ضربة كبيرة للإسرائيليين، لكنها ليست الوحيدة، فحزب الله تحول من حركة مقاومة تقليدية، تستنزف الجيش الإسرائيلي داخل الجنوب اللبناني في سنوات احتلاله، وتضطره إلى الانسحاب من دون قيدٍ أو شرط، إلى قوة ردع كبيرة، توجد توازن رعبٍ معه، وتراكم القوة على حدود فلسطين، وتتجرأ على تغيير قواعد اللعبة، والعمل على فرض رؤيتها في الميدان.
“عدو الأمة الحقيقي هو العدو الصهيوني، ونحوه يجب أن تُوجَّه كل البنادق”
كانت أحد أهم عوامل التفوق الإسرائيلي في المنطقة قدرته على بث الرعب في نفوس العرب، والإيحاء بأن أي رد منهم يعني، بالضرورة، تعرضهم لخسارة فادحة في الأرواح والممتلكات، لكن عملية شبعا الأخيرة تثبت التراجع الإسرائيلي، ووجود توازن، لا يسمح للصهاينة بالذهاب إلى حرب، من دون حساب التعرض لخسائر مؤلمة، على غرار ما واجهوه في غزة ولبنان خلال العقد الأخير.
لا يحتاج دعم المقاومة وأعمالها في مواجهة العدو مقدمات اعتذارية، فالاختلاف حاصل مع حزب الله وحماس في بعض الملفات، كما في أيديولوجيتهما وتركيبتهما المذهبية، غير أن مواجهة حركات المقاومة هذه، العدو الصهيوني، تتطلب إدراكاً لبوصلة العداء، وهو ما فات بعض الموتورين (وجُلُّهم من التيار الإخواني في المنطقة)، الذين وقفوا على الحياد، في أحسن الأحوال، في معركةٍ بين طرف عربي والعدو الصهيوني، لحسابات حزبية أو طائفية، تُغطى بشعارات أخلاقية، يسهل إثبات تهافتها وتناقضها، فلا يفرّق هؤلاء بين خصومات داخل الإطار العربي ومعركة عربية مع العدو الصهيوني، إذ اختلف ترتيب أولوياتهم، وأصبحت الخصومات داخل الدائرة العربية مقدمة على مواجهة عدو الأمة كلها.
ليت هؤلاء ينتبهون إلى رسالة قائد كتائب القسام، محمد الضيف، في تعزيته حزب الله بشهداء القنيطرة، بتأكيده على أن عدو الأمة الحقيقي هو العدو الصهيوني، ونحوه يجب أن تُوجَّه كل البنادق، وأن تدير كل قوى المقاومة معركتها بشكل موحد. يُقرأ هذا في خطابٍ ما زال يعتبر فلسطين بوصلته، وقضيةً فوق كل اختلاف عربي داخلي.

العربي الجديد _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى