باعتقادي أن الرئيس الأميركاني، السيد أبا حسين أوباما، كان قد أضاع بوصلتَه السياسية، وفَقَدَ الأملَ في اقتناء بوصلة جديدة، حينما قال إن الرئيس السوري، بشار الأسد، منفصل عن الواقع. ونحن، بوصفنا معارضين لهذا الإنسان الطيب، بشار الأسد، يجبُ أن نتحلى بما يكفي من النزاهة والموضوعية، لنعترف بأنه يشتغل بواقعية سياسية فريدة، بدليل ما قاله، أخيراً، لإحدى المحطات التلفزيونية الأميركانية، إنه يستغرب أن يقتلَ رئيسٌ ما شعبَهُ، فإن وُجِدَ مثلُ هذا الرئيس، في مكان ما من العالم، فهو رئيسٌ مجنونٌ حتماً.
ما جرى في سورية منذ أربع سنوات، إِذَنْ، لم يكن ثورة شعبية مدنية، تطالب بالحرية والعدالة، تَصَدَّى لها الرئيسُ الأسد، بالقتل والاعتقال وتهديم البيوت والتشريد. ولم يكن تمرداً شعبياً استنفرتْ ايرانُ والقوى المواليةُ لها في المنطقة، وبضمنها النظام السوري، لخنقها.
ولم يكن هناك صراعٌ عالميٌّ على سورية، حاول الدكتورُ بشار بن حافظ الأسد أن يَعْزُفَ على وتره، ويستثمره، لأجل أن يبقى، هو وسلالةُ أبيه، في السلطة إلى الأبد. وإنما هو شيء آخر، يجب على الجميع التفكير بماهيته.
إن السيد الرئيس بشار، ذا الواقعية السياسية الصارمة، يتحدثُ، عادةً، في العموميات والخطوط العريضة، ثم يأتي واحدٌ من فريقه السياسي والدبلوماسي، ليتولى عملية تحويل الخط العريض إلى تفاصيل وجزئيات وآليات تنفيذية. وهذا ما فعله الرفيقُ الدكتور بشار الجعفري الذي قادَ الفريق السوري المشارك في منتدى الحوار السوري ـ السوري الذي عُقِدَ في موسكو أخيراً.
صفن الرفيق الجعفري بالقضية السورية طويلاً، وسحبَ نَفَسَاً عميقاً، وزفرَ، وتأوَّهَ، وتَمَعَّنَ في وجوه المعارضين السوريين الذين هرعوا لحضور هذا المنتدى، مدفوعين بحبهم لسورية، وحرصهم على سلامتها، ملياً، وخشي أن يحدثهم بالعربية الفصحى، فلا يفهم بعضٌ منهم كلامَه، فخاطبهم باللهجة الشامية الرقيقة قائلاً: (تعالوا عَ الشام ونحلّها).
أنا، بكل صدق، وصراحة، وشفافية، وأمانة، لم أندهش من هذا الكلام وحسب، وإنما: انبهرت.
سبب الانبهار أن الرفيق الجعفري موقنٌ، (ونحن، مثله، موقنون)، بأنه لا توجد بين النظام السوري والشعب السوري أيةُ مشكلة، فالرئيس الأسد أكد لنا، في أكثر من مناسبة، أن الشعب السوري ملتفٌّ حول قيادته الحكيمة. ومن هنا، فإن ما قصده بكلمة (نحلّها) هو المشكلة القائمة بين النظام وذلك القسم من الشعب الذي غَرَّرَتْ به الصهيونية والإمبريالية والأردوغانية العثمانية، إضافة إلى جماعة 14 آذار وبعض الأيديولوجيات الرميمة، وجعلوه يضلُّ، فيتمرّد على قيادته الحكيمة.
وأما صيغة الحل، فعلى ما يبدو أنها تحتاج إلى تفصيلات، أو خرائط طريق، يقوم عليها فريقٌ آخر من النظام والمعارضة الوطنية غير العميلة، ولعلّ من حسن حظ منظمي منتدى موسكو أن المعارضة العميلة لم تأذن لها الإمبريالية العالمية بالحضور، ما يجعل عملية (الروحة عَ الشام) ممكنة جداً.
يستطيع المعارضون الرائحون عَ الشام، من كل فج عميق، أن يصلوا إليها بسهولة. هم يعرفون، والجعفري يعرف، أن في طريقهم تشكيلة رائعة جداً من الحواجز الأمنية، ولكن التعامل مع هذه الحواجز غاية في السهولة.
فالمعارضون الراكبون سيارة سياحية، إذا مروا بحاجز للجيش، أو المخابرات، أو الشبيحة، السوريين، يمكن لسائقهم أن يُنزل زجاج السيارة، ويقول لرئيس الدورية: ع الشام عالشام جعفري. فيفهم، تلقائياً، أنهم (رايحين يحلّوها مع الجعفري)، وإذا كان الحاجز لجبهة النصرة، يتوقف السائق قبل الحاجز بقليل، ويعلّق العلم الأسود في مقدمة السيارة. وإذا كان الحاجز لحزب الله اللبناني، أو حزب الله السوري، يقول لهم الركاب بصوت واحد: اللّهمّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد.. لبّيك نصر الله.
وهكذا، دواليكَ، حتى يصل المتحاورون إلى دمشق، بسهولة ويسر، براً وجواً وبحراً. ويذهبون، من توّهم، إلى حيث يقيم السيد بشار الجعفري، ويحلّونها.
العربي الجديد _ وطن اف ام