جاءت موافقة النظام السوري على زيارة المبعوث الدولي السيد ستفان دي ميستورا الحالية الى دمشق، تلبية لطلب روسيا، التي تريد تعزيز شرعية تحركها في الملف السوري بمشاركة السيد دي ميستورا في لقاء موسكو القادم، بعد ان كان رفض طلبه زيارة دمشق يوم 18 كانون الثاني، وربط بين الزيارة وتحقيق مطالبه لتنفيذ خطة تجميد القتال في مدينة حلب والتي حددها في نقطتين، اعتبرهما شرطا لمشاركته في العملية، النقطة الاولى ما اسماه “حفظ سيادة الدولة السورية على أية منطقة يتم تطبيق التجميد فيها، ومنع أي شكل من الإدارات الذاتية والمحلية فيها يمكن أن تتجاوز سلطة الدولة” والثانية تتعلق بمكافحة الارهاب بـ “اغلاق الحدود امام الجهاديين، ووقف الدعم”، بما في ذلك عمليات التدريب التي تتلقاها الكتائب المعتدلة.
كان السيد رمزي رمزي، نائب دي ميستورا، قد أجرى مباحثات مطولة مع مسؤولين في النظام دون ان يحرز تقدما حول تجميد القتال في مدينة حلب، والذي يشاع انه سيبدأ في شهر نيسان القادم، بسبب تمسك النظام بشروطه، هذا ما اعلنه دي ميستورا في عرضه امام “لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي” في بروكسل يوم 2/2/2015 حيث قال:” أن الأمر لا يزال يراوح أمام شروط مسبقة تريد دمشق تنفيذها قبل موافقتها على تجميد القتال في حلب”. وقد تركز الخلاف بداية حول اقتراح رمزي بمد التجميد ليشمل ريف المحافظة، تلبية لطلب المعارضة، وهو ما رفضه النظام بشكل مطلق، وحول طبيعة العملية حيث ينطلق المبعوث الدولي من تجميد القتال وبقاء كل طرف في مواقعه واقامة ادارة ذاتية تدير المدينة طوال الفترة الانتقالية، وهو ما رفضه النظام ايضا باعتباره مساً بسيادة الدولة السورية، ناهيك عن إلحاحه (النظام) على تفعيل مطلبه محاربة الارهاب بدءا من الضغط على الدول التي تدعم المعارضة بوقف الدعم واغلاق حدودها في وجه “الجهاديين” الوافدين من الخارج. فالنظام، الذي يعتبر كل المعارضة المسلحة ارهابية، انتظر من السيد دي ميستورا ان يحرك الأمم المتحدة للضغط على الدول الداعمة للمعارضة، وخاصة تركيا، لوقف الدعم واغلاق الحدود. وقد عبر عن استيائه من عدم قيام السيد دي ميستورا بذلك برفض طلبه زيارة دمشق في الشهر الماضي. فالعقبة الرئيسة في وجه انطلاق عملية التجميد مازالت قائمة وهي طريقة تعاطي الطرفين معها، فالنظام يرفض ما يعتبره إعطاء أية مشروعية للمعارضة في مناطق التجميد، سواء عبر إدارة ذاتية أو مجموعات منظمة أو حكم محلي، وما شابه، فتصوره للخطة، كما ذكرنا، له مرتكزان الأول هو ما يسميه “سيادة الدولة السورية”، يقصد سيادته هو على البلد، والثاني هو “مكافحة الإرهاب بشكل واضح وصريح”. فالنظام ينظر الى عملية تجميد القتال في حلب كنسخة طبق الاصل عما حصل في حمص حيث خرج مقاتلو المعارضة ودخلت قواته وبسطت سيطرتها على معظم اجزاء المدينة، بقي حي الوعر خارج سيطرتها، وكان قد صعّد في هجومه على محيط مدينة حلب لإحكام السيطرة على الطرق التي تربطها بالريف لعزلها ومحاصرة مقاتلي المعارضة وتكرار معادلة “الاستسلام او الموت جوعا”. غير ان فشل الهجوم وتحوّل مقاتلي المعارضة الى الهجوم وتحقيقهم مكاسب كبيرة على الارض بلغت حد قطع طريق امدادات قوات النظام من اللاذقية دفعه الى العودة الى مناقشة تفاصيل الخطة مع تمسكه بشرطيه الرئيسين. واقع الحال ان المبعوث الدولي لا يستطيع اطلاق العملية دون ان يأخذ مطالب المعارضة بالاعتبار بحيث لا تبدو العملية وكأنها تحقيق لمطالب النظام وعودة الى الوضع السابق، بعودة سيطرة النظام على حلب، ويقدم لها ما يطمئنها ويشجعها على القبول بالعملية. لذا ورغم اللقاءات الكثيرة التي اجراها السيد رمزي مع مسؤولين في النظام فانه لم يتوصل الى نتيجة محددة تسمح بالبدء في تنفيذ العملية. واضح ان ثمة استحالة في اطلاق عملية تجميد القتال في حلب في ضوء التباين الواسع في موقف طرفي الصراع وغياب قواسم مشتركة، دون ان ننسى عقبة “داعش” و”النصرة” وما يمكن ان يفعلاه لعرقلة العملية التي تتعارض مع مشروعيهما في دولة “الخلافة” الداعشية و “الامارة” التي تخطط “النصرة” لإعلانها قريبا في ريفي ادلب وحلب، وفي عدم تركيز دي ميستورا على العملية ودخوله في قضايا الحل النهائي كما كشف عنه في مطالعته امام “لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي” المذكورة اعلاه حيث تجاوز فكرة تجميد القتال في حلب وانخرط في طرح تصور للحل النهائي في سوريا قائم على استنساخ النموذج اللبناني فيها. فقد عرض لخطة خارطة طريق تبدأ من “حكومة وحدة وطنية، شاملة التمثيل، تقود إلى تغيير دستوري”، ومن ثم “إجراء انتخابات عامة”. لم يذكر تشكيل هيئة حاكمة كاملة الصلاحيات تدير المرحلة الانتقالية، كما نص اعلان جنيف، “على ان يكون الجميع جزءا منها”، بمن فيهم رأس النظام، والحصيلة “يجب أن تقود إلى وضع سياسي، وخصوصا سوريا مستقرة تشمل الجميع”. وختم بالقول:” بناء على ذلك، المطلوب من المجتمع الدولي هو إجلاس أطراف الأزمة السورية حول طاولة التفاوض، وتركهم يعملون لإيجاد حل سوري، على الأرجح على غرار النموذج اللبناني”، يريد ان يجلسهم على الطاولة لإيجاد حل سوري ويحدد لهم الحل مسبقا(؟!)، وأضاف:” أما كي يصل السوريون إلى الحل اللبناني، فيجب على مختلف اللاعبين الدوليين تركهم وشأنهم، لافتا إلى ضرورة “التوقف عن الدفع إلى حسم عسكري”. يمكن ملاحظة القفزة الواسعة في الفراغ التي قفزها السيد دي ميستورا بعيدا عن خطته الاولى (تجميد القتال في حلب) التي عرضها على المعارضة كمدخل لعملية كبيرة تشمل شمال سوريا، الذي سيتحول، وفق تصوره، الى عشر مناطق ادارة ذاتية، وجنوبها، الذي سيتحول الى ثمانية مناطق ادارة ذاتية، وما تثيره من هواجس ومخاوف كبيرة وخطيرة على خلفية المحاصصة التي تنطوي عليها، والتي ستحول الدولة السورية الى كيان هش وغير مستقر وسهل الاختراق كما هو حال لبنان الذي لم تتوقف فيه الحروب الاهلية والتدخلات الخارجية.
المدن _ وطن اف ام