مقالات

رأي القدس : معركة إيران في جنوب سوريا ودلالاتها

شهد الموضوع السوري حدثاً عسكريا وسياسياً بارزا تمثّل في الهجوم الكبير الذي تقوم به قوات من «حزب الله» اللبناني والحرس الثوري الإيراني على جنوب سوريا، كما يشارك فيه مقاتلون عراقيون وأفغان.

وبحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، فإن قائد الحزب في معارك سوريا الجنوبية هو مصطفى بدر الدين، أحد المتهمين المطلوبين من المحكمة الدولية المختصة بمتابعة قضية قتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، فيما يقود القوات الإيرانية الجنرال الشهير قاسم سليماني، وهو ما يحمّل هذه المعركة دلالات سياسية ورمزية مهمة.

أول نتائج هذا الحدث إن تبعية عتاد وجنود وقيادة هذه المعركة للتحالف الإيراني ـ اللبناني، يقارب تسليم النظام في دمشق لسيادته الافتراضية على البلد، ويعزّز هذه النتيجة ما رشح من أخبار عن إعدام الإيرانيين لـ13 ضابطاً من الجيش العربي السوري، وهو ما يعني كفّاً نظرياً ليد النظام عن جهاز العسكري نفسه.

يمكن للنظام السوري أن يعزّي نفسه بأنه يستخدم ورقة «حزب الله» وإيران لحسم معاركه الداخلية، كما فعل في حمص والقلمون من قبل، ولكنّ الواقع يقول إن من يتحكّم في معارك الأرض هو من يقرّر أين تبدأ خارطة السيادة السياسية لسوريا وأين تنتهي.

الدلالة السياسية الرمزية الأولى تتمثّل في تركّز المعارك حول درعا، المدينة التي انطلقت منها الثورة السورية، غير أن تنكّب الإيرانيين وحزب الله لمهمة إنهاء الثورة في مهدها الذي انطلقت منه يحوّل الثورة من حرب على النظام إلى حرب ضد قوى أجنبية، ولا يخفّف البتة من وقع فكرة «الاحتلال الأجنبيّ» هذه أن القوى المشاركة من طبيعة مذهبية شيعيّة، فالصراع السنّي ـ الشيعيّ كان يمكن صرفه بـ»العملات المحلّية»، لولا أن التدخّل الفارسي المعلن، يقوّض كافة الأركان السياسية والدينية في بلد يحتل بشار الأسد فيه منصب الأمين العام لحزب «البعث العربي الإشتراكي» ذي الرسالة الخالدة للأمة العربية الواحدة.

الدلالة السياسية الثانية تقصّد «حزب الله» تكليف مصطفى بدر الدين، المتهم بقتل رفيق الحريري، يحمل دلالة سياسية مهمة ثانية، فبعد ظهور بدر الدين المذكور في حفل عزاء جهاد نجل القائد العسكري السابق لحزب الله عماد مغنية يأتي إعلان مشاركته السورية أثناء الاحتفال بذكرى اغتيال الحريري ليصبح الموضوع تعريضاً مباشراً بتيّار «المستقبل» وبسنّة لبنان، وهي رسالة تعني أن اغتيال القادة السياسيين والإعلاميين في لبنان، ودعم نظام الأسد في سوريا، وإعلاء راية إيران على المنطقة العربية، مشروع شامل لا تنفصم عراه عن بعضها البعض.

الدلالة السياسية الثالثة هي استخدام «حزب الله» عنوان معركة «شهداء القنيطرة»، وهي المدينة التي في أذهان السوريين رمز للصراع مع العدو الإسرائيلي في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وبذلك لا يحتلّ «حزب الله» أراضي سورية، ويقاتل سوريين فحسب، بل يسرق من الشعب السوري أيضاً منظومة العداء لإسرائيل، كما فعل مع أحزاب المقاومة اللبنانية التي تم اغتيال قادتها وطردها بالقوة من معركة القتال مع إسرائيل وإلحاقها بـ»حزب الله» وحده.

إضافة إلى ذلك كله يستهدف الهجوم الثقل الأساسي للمعارضة العسكرية السورية «المعتدلة»، والمدعومة عربيّاً، كما فعل «حزب الله» في معارك القصير والقلمون، وهو ما يخلي الأرض عملياً وسياسيا للتنظيمات السلفية المسلحة، متمثلة بـ»جبهة النصرة» و»الدولة الإسلامية»، وهو الهدف الذي اشتغل عليه النظام السوري منذ بدايات الأزمة، ليفرض نفسه ضمن تقاطع مصالح موضوعي مع الدول العربية والغربية، التي ستضطر للتعامل مع الأسد وحلفائه للقضاء على تلك التنظيمات.

مشاركة الإيرانيين المباشرة تقول إن الهدف الأوسع للمعارك يتجاوز كسر المعارضة السورية المسلحة إلى السيطرة على حدود سوريا مع لبنان وإسرائيل والأردن، وهو ما سيؤمّن أوراقاً هائلة للعب في يد طهران قبل بدء مفاوضاتها مجدداً مع الدول الغربية، لكنّ الطموح الإيراني، سيصطدم بعقبة كأداء تتمثّل في السوريين أنفسهم الذين سيتفانون في قتالهم احتلالا أجنبياً، كما أنه قد يفعّل الجبهة العربية والغربية ضد إيران، فتصبح إيران و»حزب الله» الضحيّة الأخيرة لهدف مستحيل التحقيق.

القدس العربي _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى