يبدو المبعوث الدولي للأزمة السورية ستيفان دي ميستورا منهمكا في جولات لا تنتهي بين عواصم العالم والدول الإقليمية، فضلا عن جولاته بين النظام والمعارضة، وذلك في محاولة تبدو الأخيرة لإنقاذ خطة “تجميد القتال” في مدينة حلب.
مرت أشهر عديدة على طرح دي ميستورا لخطته، مستفيدا من لحظة شهدت نمو خطر تنظيم الدولة الإسلامية، آملا في أن يدفع هذا الخطر طرفي الصراع الرئيسيين، النظام والمعارضة، إلى قبول خطته والتفرّغ لمواجهة داعش. وكانت رغبة دي ميستورا في تحويل المعارك بين مختلف الأطراف إلى مواجهة شبه وحيدة مع داعش مدفوعة، أيضا، بتشكل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وما أعلنه ذلك التحالف من هدف رئيسي وواضح، وهو القضاء على التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق.
هكذا كانت أميركا آخر محطات المبعوث الدولي في محاولة لإقناعها بأن تأخذ خطته على محمل الجد. فالإدارة الأميركية ورغم أنهـا أعلنت موافقتها المبـدئية على أي جهود للتهدئة ومن ضمنها خطة “تجميد” القتال، لم تول تلك الخطة أي أهمية تذكر، إذ تتركز جهودها على العراق بشكل مكثـف، وقد بات لها تواجد عسكري واسع ومتزايد هناك.
أما الساحة السورية فتكتفي فيها الولايات المتحدة بضربات جوية لزيادة الضغط على تنظيم الدولة الإسلامية في معاقله ومنع محاولات إسناده لمقاتليه في العراق. كما تركزت معظم الغارات الجوية لقوات التحالف على جبهات قتال الأكراد مع داعش خصوصا بعد نجاح تجربة الدعم الجوي المساند للقوات الكردية في بلدة “كوباني”، ودحر داعش منها ومن عشرات القرى المحيطة. بكلمات أخرى، تتركز الجهود الأميركية في سوريا على داعش بصورة خاصة ومباشرة، ولا تولي اهتماما يذكر، حتى الآن، لما يجري في مناطق أخرى حيث تشتد المعارك بين النظام والمعارضة، وحيث يحاول دي ميستورا التوصل إلى تهدئة جزئية فيها.
وفي محاولة لتنشيط الاهتمام الدولي بخطته، يحمل دي ميستورا في جعبته وعدا قطعه عليه الرئيس السوري بشار الأسد خلال لقائهما الأخير قبل أيام في العاصمة دمشق، حيث أبدى الأسد استعداده لوقف كل عمليات القصف الجوي والمدفعي لمدة ستة أسابيع في كل أنحاء مدينة حلب. إنه جديد المبعوث الدولي إذن وبعد أشهر من العمل على خطته. غير أن هذا الجديد يعاني، كما كل خطته، من نقص فادح في التفاصيل، ومن ضبابية تجعل من تطبيق الخطة إمكانية شبه مستحيلة.
في الحقيقة، لم يبذل دي ميستـورا جهودا كبيرة لحل التفاصيل المعقـّدة، بل كان يقلص من نطاق خطته باستمرار في محـاولة لتجـاهل تلك التفاصيل كنعامـة تدفن رأسها بالـرمـال. ففي حين كـانت الخطـة تستهدف كل محافظة حلب وريفها، باتت، في طبعتها الأخيرة، تقتصر على ذلـك الجزء الذي تسيطر عليه المعارضة في مدينة حلب.
ويأتي ذلك في ظل اشتعال مختلف جبهات محافظة حلب، إذ شنت قوات النظام مدعومة بمشاركة كبيرة من حزب الله هجوما واسعا ومباغتا على مختلف مناطق ريف حلب الشمالي، واستطاعت التقدم قبل أن تعيدها قوات المعارضة إلى مواقعها السابقة. هكذا يبدو واضحا أن خطة “تجميـد القتال” تعمل على “إذكاء القتال” وتوسع المعارك في حلـب، في محاولة مـن قبل النظام للتقدم بشكل يكبّد المعارضة خسائر فادحـة تجعلها ترفـض تطبيق الخطة.
كما يؤشر ذلك إلى الضعف الرئيسي في خطة دي ميستورا، وهو عدم وجود إعلان عن نوايا من الطرفين، وخصوصا من قبل النظام السوري، في الرغبة بالتوصل إلى حل سياسي شامل وذلك عبر تهدئة مختلف الجبهات والدخول في مرحلة انتقالية سياسية تمهّد لإجراء انتخابات، إذ يبدو واضحا أن نظام الأسد لا يزال بعيدا عن تلك القناعة.
إن المشاركة المباشرة لإيران، كما أقر النظام السوري أخيرا، في قيادة العمليات العسكرية في جنـوب سوريا وفي تعزيز قوات النظام بالحرس الثوري الإيراني وبأدواتها الطائفية في المنطقة المتمثلة بحزب الله والميليشيات العراقية، تشير إلى أن النظام وحلفاءه يعقدون رهاناتهم الحقيقية على الحل العسكري، مع إدراكهم بأن أي حل سياسي سيشكل نوعا من الخسارة لهم، وسيعطي الشرعية لمعارضة سورية ضعيفة ومهتزة تعمل كل ما في وسعها منذ أربع سنوات لاكتسابها من دون جدوى.
هكذا يتوه دي ميستورا حاملا خطته بين دهاليز القوى المحلية والإقليمية والدولية، خصوصا بعد تصاعد حدة تدويل الصراع السوري، والانخراط المباشر من قبل إيران وحزب الله في الحرب من جهة، وأميركا من جهة أخرى. ففي الوقت الذي يحطّ فيه المبعوث الدولي في الولايات المتحدة، تعلن هذه الأخيرة عن اتفاق مع تركيا لتدريب وتسليح المعارضة السورية.
هكذا يكتمل المشهد، فباستثناء السوريين المنهكين، وعدد من فصائل المعارضة التي لم تعد اللاعب الأقوى على الساحة السورية، لا يوجد من يراهن، فعلا، على حل سياسي للأزمة السورية ضمن الظروف والمعطيات الحالية.
العرب اللندنية _ وطن اف ام