أدى الغموض حول سياسات إيران الداخليّة بكثيرين من صنّاع السياسات إلى التوصل إلى استنتاجات خاطئة، تمثّلت بأن المواجهة بين الرئيس حسن روحاني والمرشد الأعلى للثورة، علي خامنئي، هي أساس المأزق في محادثات الملف النووي بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا). ومن هذا المنطلق، المرشد الأعلى هو من يعرقل توصّل روحاني إلى اتفاق حول الملف النووي.
فمن المفترض أن يقاوم آية الله خامنئي أي مساومة، لأنه يخشى تحسين العلاقات مع الغرب، أكثر من العقوبات والعزلة السياسية، ولأنه يتصور أن حاجة واشنطن لإبرام صفقة أكثر من حاجة طهران. ليس هناك أي دليل على أن معايير الرئيس الإيراني لصفقة جيدة تختلف كثيراً عن معايير المرشد الأعلى، فمن دون تخفيف العقوبات الأساسية، سيكون من شبه المستحيل الوفاء بوعده بإنعاش الاقتصاد الإيراني، والذي، هو بحد ذاته، مستحيل، من دون وجود اتفاق. ربما هذا هو السبب في توافق رؤى روحاني وآية الله خامنئي والمتمثلة في أن عدم وجود اتفاق أفضل من اتفاق سيئ، حيث لن يحقق التأخير في تخفيف العقوبات إلا الحد الأدنى من الإنعاش الاقتصادي.
أعلن روحاني، فور تولّيه منصبه، أنها الشفافية، وليست القيود على أنشطة تخصيب اليورانيوم، ما سيهدئ مخاوف الغرب. فقبل أشهر من إعلان آية الله خامنئي أن هدف تخصيب اليورانيوم على نطاق صناعي خط أحمر، كان روحاني قد أعلن أن إيران لن تفكك أياً من أجهزة الطرد المركزي. لا تزال الصفقة التي وقّعها روحاني، آنذاك، لمّا كان كبير المفاوضين في الملف النووي، بين 2003-2005 تطارده، فالحوافز الدولية التي وُعد بها في مقابل تقديمه تنازلات ملموسة، لم تتحقق أبداً. ونتيجة لذلك، واجه روحاني انتقادات حادة في إيران. ولذلك، لا يرغب بتوقيع اتفاق آخر، من شأنه عرقلة برنامج تخصيب اليورانيوم، من دون رفع العقوبات. بدلاً من ذلك، هو يسعى إلى اتفاق متوازن ومتناسب، بما في ذلك إنهاء العقوبات، وليس فقط تعليقها.
ويعارض آية الله خامنئي صفقة غير متوازنة، خشية من أن تُفسّر على أنها علامة ضعف، ومن شأنها إضفاء وزن للرأي القائل إن الضغط على إيران سيجبرها على إعادة حساباتها، كما أنها ستحفز بلطجة الغرب ضد طهران، في مسائل استراتيجية وإقليميّة أخرى. لا ينبغي أن يُترجم هذا على أنّه رفض إيراني للدبلوماسية، أو غياب التوتر في النظام السياسي المنقسم في إيران، فقد سمح آية الله خامنئي لمفاوضيه بالذهاب بعيداً في المفاوضات، وعمل على حمايتهم من الانتقادات محلياً، إلا أنه، حيث توجد خلافات بين الاثنين، فهي تكتيكية أكثر منها استراتيجية. على سبيل المثال، يبدو أن الرئيس يعتقد أن التخفيف من التصعيد مع الولايات المتحدة يمكن أن يحسّن من احتمالات التوصل إلى اتفاق متوازن، في حين يرى المرشد الأعلى في الصفقة شرطاً ضرورياً للانفراج.
فبينما يسعى الرئيس إلى التوصل إلى إطار سياسي لاتفاق نووي، قبيل الدخول بالتفاصيل، يرى خامنئي أن عليها أن تأتي بالتوازي. ستسود رؤية المرشد خامنئي في نهاية المطاف. لكن، من غير المرجح أن تتسبب هذه الخلافات التكتيكية في إفشال التوصل إلى اتفاق، كما أن خامنئي يعلم أنه سيفقد شعبيته، في حال نُظر إليه، محليّاً، معرقلاً للعودة إلى وضع طبيعي. ويبدو أن خامنئي قادر على احتواء التداعيات السياسية لأي اتفاق. باعتباره الحَكَم النهائي لجميع شؤون الدولة، باستطاعة المرشد الأعلى أن يحدد أثر أي اتفاق نووي على سياسة البلاد الخارجية، كما يمكنه فرملة العلاقات مع الغرب، في سياسات إقليمية حازمة، أو عن طريق السماح لانتقادات نهج الحكومة التصالحي.
صحيح أن صفقة شعبية ستعزز من مكانة روحاني، وستعطي حلفاءه ميزة في انتخابات العام المقبل لمجلس النواب ومجلس الخبراء (الهيئة المسؤولة عن اختيار خليفة للمرشد الأعلى). ولكن، لدى المؤسسة الإيرانية نفوذ كثير لحماية مصالحها، ومنها فحص المرشحين. ثمة ميزة صغيرة في الحجة القائلة إن سبب تصّلب الموقف الإيراني في الملف النووي هو الشعور بالسيادة الإقليمية، حيث ترى نفسها دولة مستقرة وسط اضطرابات إقليمية، كما أن لديها تأثيراً غير مسبوق في عواصم في الشرق الأوسط. فقد بقيت خطوط إيران الحمراء من دون تغيير، على مدى السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة، في حين أن مكانتها الإقليمية تغيرت مراراً وتكراراً.
في الآونة الأخيرة، تراجعت ثقة طهران بذاتها بالتوازي مع تراجع أسعار النفط، ما يجعل مسألة رفع العقوبات أكثر أهمية من الماضي. أخيراً، لا يفترض المرشد الأعلى أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، تائق للتوصل إلى صفقة أكثر منه. على العكس، لا يزال متشككاً للغاية من أن الولايات المتحدة مستعدة للقبول باتفاق متوازن. هناك قيود داخلية في طهران، كما في واشنطن. وسيكون صعباً على القيادة الإيرانية، بغياب حوافز اقتصادية مضمونة، تبرير التراجع عن البرنامج الذي كلّف البلاد الدم والمال والكرامة الوطنية. كما أن العقبات أمام واشنطن لا تقل صعوبة عن التي تواجهها إيران، فقد طوق الكونغرس المفاوضين بطيف من العقوبات، كما رفع السقف للوصول إلى اتفاق مقبول.
باختصار، تبقى الشروط المقترحة، لا ديناميكيات إيران الداخلية، هي ما يعرقل التوصل إلى اتفاق. المطلوب الآن هو الإبداع في دبلوماسية جديدة، لإيجاد مسار معتمد للتوصل إلى اتفاق يسمح لكلا الطرفين بإعلانه نصراً. وذلك يتطلب من إيران تأجيل خططها لتخصيب اليورانيوم على نطاق صناعي، ربما عقداً. في المقابل، على مجموعة 5 زائد 1 أن ترفع عقوبات أكثر، وفي وقت أسرع، ولو على مراحل. ستوفر هذه الصيغة بناء أرضيّة صلبة لدعاة التوصل إلى اتفاق من كلا الطرفين، لمعالجة أوضاع المعارضين لها في الداخل.
العربي الجديد _ وطن اف ام