نشط الرئيس السوري بشار الأسد على جانب الإعلام الغربي الشهر الماضي، فقد أجرى مقابلتين مع اثنتين من أشهر وسائل الإعلام الغربية، واحدة مع مجلة «فورين أفيرز» الأميركية والأخرى مع محطة تلفزيون «بي بي سي»، لكن الأسد لم يقدم أي شيء مختلف في أي من هذه المقابلات عن لقاءاته السابقة التي أجراها في السنوات الأربع الماضية.
السؤال إذاً، لماذا قرر الأسد أن يجري هذه المقابلات المكررة وما هو نوع الشخصية التي تتكشف من وراء كلماته؟
ستنهي سورية بعد أيام عامها الرابع من الأزمة التي بدأت كثورة سلمية لها مطالبها المحددة في الإصلاح السياسي وإعادة هيكلة النظام على أسس ديموقراطية تستجيب لحاجات الشعب السوري سياسياً واقتصادياً.
استطاع الأسد تدريجاً تحويل هذه الثورة السلمية إلى حرب أهلية طاحنة، كما تحول النظام السوري نفسه وتدريجاً إلى ميليشيا قوية تشارك في صراع يائس مع الشعب السوري. يسعى بشار الأسد إلى استنزاف سورية من الموارد المالية والبشرية، والأكثر خطورة من كل ذلك هو تدمير النسيج الاجتماعي السوري من خلال خلق صراع طائفي بغيض.
لقد تجاهل النظام، أو تحلّل منذ بداية الثورة من جميع الالتزامات في زمني الحرب والسلم. واجه الثورة السلمية بالرصاص الحي، وحصد ذلك أرواح خيرة الشباب في سورية، ومع تحول الثورة إلى ثورة مسلحة لم يتردد النظام في سحق قواعد الحرب أيضاً، بالتالي تحولت كل المستشفيات والمناطق السكنية والمساجد والكنائس إلى أهداف للقصف بالبراميل والصواريخ، وامتلأت الفروع الأمنية بمئات الآلاف من السوريين الذين يقتلون تحت التعذيب، وقد أظهرت الصور التي تم تسريبها من الفروع الأمنية حجم ومستوى التعذيب والوحشية التي يتعرض لها السوريون في أقبية استخبارات النظام. هكذا، نجد أن الشعب السوري يكافح على مدى السنوات الأربع الماضية ليس فقط للحفاظ على المقاومة، ولكن الأهم من ذلك، للحفاظ على تماسكه ضد سياسة منهجية تهدف إلى كسره وتحويله إلى أقليات متناحرة ومتصارعة.
بعد هذه السنوات الأربع حيث بلغ عدد القتلى أكثر من مئتي ألف وتحول أكثر من ثلثي سكان البلاد إلى مشردين نازحين أو لاجئين، وظهرت الجماعات الإرهابية مثل «داعش» وغيره الذي بات يسيطر على أجزاء كبيرة من سورية، لا يزال الأسد يكرر تقريباً الكلمات نفسها التي استخدمها في بداية الانتفاضة في آذار (مارس) 2011، كأنه يعيش في عالمه الخاص الذي نسجه من خياله بأنه قادر على العودة بسورية إلى ما كانت عليه قبل ذلك التاريخ.
قد تكون حال الأسد نموذجية لأي ديكتاتور. رأينا ذلك من قبل مع هتلر، صدام حسين، وميلوسيفيتش، وغيرهم من الذين يعتقدون أنهم سيكونون قادرين على كسب الحرب حتى وهم يعيشون في مخبئهم السري، وتاريخ معظم الطغاة يكشف ممارسات شبيهة لما يقوم به الأسد اليوم، فهو يعيش في فقاعته الخاصة به، وهذا النوع من الطغاة يصبح أكثر خطورة مع الوقت وفي الوقت نفسه تصبح قضية إزالته أو القضاء عليه أقل أولوية لأن تكلفتها أكثر ارتفاعاً.
تمر سورية اليوم بمرحلة انتقالية في أصعب الشروط. مساحات واسعة من سورية هي خارج سيطرة نظام الأسد، لذلك فهو يذيقها يومياً عذاب البراميل المتفجرة والقصف العشوائي والحصار ضد المدنيين، ما يجعل الحياة فيها أشبه بالمستحيلة. لقد تحول بشار الأسد من رئيس دولة إلى رئيس بلدية لدمشق وبعض ضواحيها. إنه غير قادر على ترك قصره من دون أن يكون محاطاً بميليشياته. ومع فقدان الأسد السيطرة على المعابر الحدودية مع تركيا والعراق فإن ذلك يعني، بالمعنى السياسي، أنه فقد القدرة على إقامة حكمه في مناطق جغرافية ذات أهمية استراتيجية. وعلى رغم أنه يمكنه بالتأكيد قصف هذه الأماكن وحرقها، إلا أنه لا يمكنه استعادة السيطرة عليها.
لكن هذه المناطق المحررة، في الوقت نفسه، هي في معظمها منفصلة جغرافياً ويمكن استهدافها بسهولة من الجو، وهو ما يمنعها من أن تصبح مناطق آمنة. بالتالي غياب سلطة مركزية تجعل من الصعب إدارتها، وهذا ما يعني للسوريين أنه طالما بقي الأسد في قصره، فإن المرحلة الانتقالية ستكون أكثر إيلاماً، وهذه هي الحقيقة اليومية التي يعيشها السوري كل يوم.
ربما كان تركيز المجتمع الدولي اليوم منصباً على بروز «داعش» وسيطرته على أراض واسعة في سورية والعراق، وزاد هذا الاهتمام من تركيز وسائل الإعلام الغربية على «داعش» بعد ذبحه الكثير من الرهائن. لقد ارتكب «داعش» الكثير من الجرائم ضد الشعب السوري، بخاصة في المناطق التي يسيطر عليها في الرقة ودير الزور، فهو يمنع المرأة من الذهاب إلى المدارس، ويغلق الأماكن العامة كافة ويطبق الإعدامات والجلد في الساحات وتقطع الرؤوس باسم الإسلام، وقد جرى تطبيق ذلك بحق كثيرين من السوريين الذي يرفضون أوامر «داعش»، كما حدث للكثير من الناشطين في سورية.
هذه هي المعضلة التي تواجه الشعب السوري اليوم بين حكومة الأسد التي تعني القصف اليومي بالبراميل المتفجرة وبين «داعش» الذي يحكم باسم الشريعة. ينبغي على المجتمع الدولي ألا يسمح لهذا أن يستمر.
عليه مسؤولية ودور لمساعدة الشعب السوري لإنهاء هذا الكابوس وفتح مستقبل ديموقراطي بالنسبة إليهم. بالطبع، الضربات الجوية التي أعلن عنها الرئيس أوباما ضد «داعش» ربما تكون خطوة لبداية لكنها للأسف أظهرت تأثيراً سلبياً مع غياب استراتيجية كبرى لإدارة الرئيس أوباما لوضع حد لنظام الأسد.
الحياة _ وطن اف ام