مقالات

إياد الجعفري : العبء الاقتصادي لـ “سوريا المفيدة”

يعتقد كثيرون أن نظام الأسد، بدعم إيراني، بات يُسيطر، أو يكاد، على كامل “سوريا المفيدة”. وأن القيمة الاستراتيجية لتلك المنطقة التي تشمل الساحل السوري ووسط سوريا مروراً بالقلمون ودمشق، وانتهاء بجنوب سوريا عند حدود الأردن وهضبة الجولان المحتل، ستكون كفيلة بتعزيز عوامل بقاء النظام السوري، وقوة داعمه الإيراني على الصعيد الإقليمي. لكن في المقابل، يغيب عن أنظار أصحاب الرأي آنف الذكر، العبء الاقتصادي لـ “سوريا المفيدة”، والذي سيكون كارثياً لو استمر الصراع بسوريا وفق الروزنامة الأمريكية، لثلاث سنوات على الأقل، وليس وفق الروزنامة الإيرانية التي يبدو أن مداها الزمني أقصر.

تُوحي تسمية “سوريا المفيدة”، بأن تلك المناطق غير المحسوبة عليها ليست مفيدة. لكن بلغة الأرقام والاقتصاد، يبدو أن تلك المناطق التي فقدها نظام الأسد، والتي لا يُظهر أي استعداد (او إمكان) جديّ لاستعادتها، تضم الجزء الأبرز من ثروات سوريا. فأكثر من نصف ثروة سوريا من القمح والقطن والزيتون والكثير من المحاصيل الأخرى، إلى جانب ما يقترب من نسبة 90% من ثروة النفط والغاز، وأكثر من نصف ثروات سوريا الباطنية الأخرى، باتت خارج إطار “سوريا المفيدة”. بالمقابل، تضم “سوريا المفيدة”، الجزء الأكبر من الديمغرافيا السورية بنسبة قد تصل إلى الثلثين.

نتائج المعادلات سابقة الذكر بدأت تعطي ثمارها في الأشهر الأخيرة من العام الفائت، لتتفاقم خلال مطلع العام الجاري. فنظام الأسد بات عاجزاً عن تأمين المحروقات والعملة الصعبة لتشغيل الصناعة والتجارة، ليرفع الدعم الحكومي عن معظم السلع الأساسية، فيما تدهورت الليرة السورية بشكل ملحوظ خلال الأشهر القليلة الماضية، في الوقت الذي كثّفت فيه حكومة النظام مطارحها الضريبية لتعويض النزيف المستمر في خزانتها، وسط شح الموارد المُتاحة. في الوقت نفسه، يبدو أن تراجع أسعار النفط العالمية أثر على دعم روسيا وإيران للنظام، الذي عانى في الأشهر الأخيرة من أزمة محروقات خانقة، قبل أن تُسعفه طهران بشحنات من المحروقات بثت الروح في جسد اقتصاده المُحتضر، لكن إلى حين فقط. في الوقت نفسه، لا تظهر آفاق تُبشر أنصار النظام من الطبقة الصناعية والتجارية في حلب بأنه اقترب من استعادة نصفها الشرقي، وتأمين جبهتها الشمالية، بصورة كفيلة بإعادة الحياة إلى عاصمة الاقتصاد السوري، سابقاً. في هذه الأثناء، يبدو أن النظام يبحث عن حلول عاجلة لتمويل نفسه، فشرايين التمويل من إيران تضيق، الأمر الذي دفعه إلى الضغط على قطاع الأعمال المقرب منه لتخفيف الاستيراد بصورة كبيرة، تسمح بالحفاظ على ما بقي من عملة خضراء في خزائنه، بعد أن كاد تمويل المستوردات يُودي بالليرة السورية إلى كارثة غير مسبوقة. بطبيعة الحال، لا يُقر الكثيرون بالقراءة آنفة التفصيل، فهم يركزون على “سوريا المفيدة” بالمعنى الاستراتيجي البحت. لكن هل تصمد “سوريا المفيدة” بالاستراتيجيا وحدها دون اقتصاد؟ الجواب قد يكمن في طهران، فهي صاحبة المصلحة الرئيسية في استمرار سيطرة النظام السوري على ما يُسمى “سوريا المفيدة”، بالمعاني الاستراتيجية تحديداً. فلو راجعنا الجبهات السورية الأبرز التي لعب فيها مقاتلو إيران وحزب الله الدور الحاسم، سنجدها تلك التي تُؤمن الجهات المفصلية في “سوريا المفيدة”. فحزب الله والميليشيات الشيعية التي قاتلت إلى جواره، هم أصحاب الدور الأبرز في تأمين منطقة القلمون وريف حمص الغربي (القصير).

وهم اليوم أبرز المحاربين على جبهة حلب، وفي جبهة الجنوب السوري. لكن تصدع “سوريا المفيدة” بالمعنى الاقتصادي، وبقاء أهميتها بالمعنى الاستراتيجي، يعني استنزاف إيران بصورة كبيرة. فعلى صعيد النفط وحده، لا تُلبي الثروات النفطية المُتاحة للنظام السوري إلا 8% فقط من حاجات الديمغرافيا الخاضعة له. والباقي يجب تمويله من إيران، إما مباشرة عبر شحنات المحروقات الآتية منها، أو بصورة غير مباشرة، عبر تمويلها لصفقات شراء النظام للنفط والغاز من تنظيم الدولة الإسلامية، حسب ما يعتقد مراقبون. ما سبق يعني أن “سوريا المفيدة” هي عبء اقتصادي كبير جاثم على صدر طهران. ويبدو أن الأخيرة تراهن على الوقت في إنجاز نقلات استراتيجية نوعية من قبيل السيطرة على كامل الجنوب السوري واستعادة ورقتي أمن الحدود الأردنية، وأمن الحدود الإسرائيلية. والسيطرة على باقي حلب وريفها الشمالي، لإعادة إحياء الصناعة السورية، وربما تهديد الحدود التركية. كل ذلك يجب أن يتم إنجازه قبل الموعد الحاسم للمفاوضات الإيرانية الغربية حول الملف النووي، في مطلع الصيف القادم. لكن، في حال سارت الأمور وفق الروزنامة الأمريكية، لا الإيرانية، بمعنى أن استنزاف المتحاربين دام لسنوات ثلاث أخرى، فهذا يعني أن “سوريا المفيدة” ستصبح كارثة اقتصادية على كاهل طهران، من غير المعروف إلى أي مدى زمني ستبقى قادرة على تحمل ثقلها. وكخلاصة، يبدو أن “سوريا المفيدة” ستكون في أمد زمني قريب غير مُجدية اقتصادياً وفق المعايير الإيرانية، إلا إذا حدثت مفاجأة الاتفاق النووي الإيراني – الأمريكي خلال الصيف القادم، وهو أمر تعوقه الكثير من التحديات الأمريكية، الداخلية والإقليمية.

المدن _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى