رغم كل الجهود الجبارة المبذولة، لا تزال النساء عالميا يعانين من التمييز حتى في أكثر المجتمعات تطورا، فعلى رأس 152 دولة معترفا بها في العالم، لا يوجد غير 10 دول قبلت أن تترأسها نساء. ويبدو أن علينا أن ننتظر ربع قرن إضافيا لنرى الجنس اللطيف يتربع على إدارة ثلث الشركات الكبرى العابرة للقارات فقط. فهذه المؤسسات الجبارة ستبقى ذكورية على المدى المنظور، كما رئاسات الجمهوريات، والمهن الميكانيكية الطابع، وأشغال أخرى يصعب تعدادها، منها البورصات الكبرى.
تحصي الأمم المحترمة إنجازاتها وإخفاقاتها بحق المرأة، بمناسبة يومها العالمي، ويفضل العرب، إلا في ما ندر، توليف الخطب التجميلية واختيار الكلمات المنمقة، للإيحاء بأن نساءهن يرتعن في رغد العيش، مع غياب شبه كامل للأرقام الرسمية، مقابل دراسات دولية تبعث نتائجها على الاحمرار والخجل.
تحدث الرئيس محمود عباس منذ أيام عن المرأة الفلسطينية التي وصلت إلى كل منصب ولم يبق لها إلا أن تصبح «مأذونة» دون أن يستبعد ذلك، حتى كدنا نصدق أن جرائم الشرف اختفت من أراضي السلطة، وأن العنف المنزلي المستفحل ليس داء ساما يستوجب استئصاله، وأن النساء هن أول ضحايا الفقر والعطالة.
لعل نبش الأسوأ بات ضرورة، لربما أن مجرد تعداد الإيجابيات ليس مما يناسب مرحلة الحضيض التي نعيش. قد تكون الفلسطينيات أفضل حالا من اليمنيات والعراقيات والسوريات وحتى الليبيات، لكن المنطقة كلها تئن، والمصارحة بلسم المتألمين.
ليست مصادفة أن تكون الدول الاسكندنافية الأكثر رخاء هي الأقرب لإحقاق حقوق المرأة، وأن تأتي فرنسا المتعثرة اقتصاديا متأخرة في الركب الأوروبي عن بريطانيا، وتحتل أوكرانيا واليونان أسفل السلم. العلاقة وطيدة بين المصالحة مع الذات، والاعتراف بأن العيش الكريم حق إنساني لا صلة له بالأجناس والألوان والطوائف.
في أميركا التي وصل فيها أسود إلى رئاسة الجمهورية، مقابل كل رجلين يحصلان على شهادة جامعية هناك ثلاث نساء، وهو ما تقطفه المرأة الأميركية مهنيا بعد أن أصبح مدخولها أعلى بنسبة 8 في المائة من الرجل. أي أن البيئة تسمح بإنصاف المواطن تبعا لمهاراته وكدّه، لا لونه وجنسه، وهو ما لا تزال فرنسا تشكو منه وتتأسف، حتى في إداراتها العامة. تحكم أميركا العالم عن جدارة إذن، فنساؤها من بين الأعلى كفاءة، والأكثر إنصافا على وجه البسيطة. وتقتحم الـ«سي آي إيه» بيوتنا وخصوصياتنا الأشد حميمية، لا بفضل رجالها فقط، بل ونسائها المحنكات اللواتي تصرّ على أن يكون عددهن مساويا للرجال منذ مدة طويلة، بعد أن اكتشفت مواهبهن التي يصعب الاستغناء عنها.
وتحلم الصين وهي تخطط لبلوغ سلم المجد بأن يصبح مقابل كل 100 خريج من جامعاتها 140 خريجة، كشرط لانتقالها من الصف الثاني إلى الأول، خلال السنوات المقبلة. وهكذا لم يبق من يحصي عدد السبايا ويفند جنسياتهن ومحاسنهن، ويحدد أسعار الجواري الشقراوات والسمراوات، ويتحدث عن أسواق النخاسة، في هذه الدنيا، سوى العرب.
التمييز شيء، وهو ما تعتبر الدول الغربية أنه نقيصة في سلوكياتها، والاضطهاد وممارسة العنف أمر آخر. فبينما تحاسب فرنسا نفسها لأن نساءها في غالبيتهن يمارسن مهنا مثل التمريض والتعليم والعناية بالجمال والخدمات المنزلية، مشجعة إياهن على الخروج من قوقعتهن، واقتحام عالم التكنولوجيا والسياسة، يعود زواج القاصرات إلى العراق، وينتشر كما الوباء في اليمن والسودان، وهو ما لم يعد مقبولا ولا مسموحا.
لا نكران أن دولا عربية سعت لتطوير تشريعاتها، من أجل حياة أفضل لفتياتها، لكن في بلد يدّعي الحرية مثل لبنان، كان لا بد أن يُقتل ما يزيد على عشر نساء بالبلطات والطناجر والسكاكين المسنونة في أقل من عام، على أيدي أزواجهن، قبل أن يوافق مجلس النواب على إقرار قانون العنف الأسري، مشوها ومعدلا، وفق أمزجتهم لا تبعا لما تمليه عليهم ضمائرهم. هل يعقل أن تكون 99 في المائة من نساء مصر قد تعرضن للتحرش؟ هل تخادع الأمم المتحدة حين تنشر هذا الرقم.. أم أن حياتنا باتت سريالية إلى حد لا يصدق؟
ما تنشره الهيئات الدولية عن حال النساء في العالم العربي وصمة عار. ولا يمكن أن نقارن بين ما يكتب عن بؤس العربيات، وما ينشر عما بلغته غيرهن من مراتب، دون أن نشعر بالاستفزاز والإهانة. حتى بلد أفريقي مثل رواندا أخذ على عاتقه تحسين حال النساء. منذ عام 1994 وورشة كبيرة قائمة هناك، لتوصيلهن إلى مواضع القرار، إلى أن بتن يشكلن 63 في المائة من مجمل النواب، فيما يتباهى لبنان بمغنياته وراقصاته، ويمنع النظام السياسي الطائفي أي امرأة من بلوغ مركز وزاري أو نيابي إن لم تكن ملحقة بسياسي رجل أو قريبة له.
يكاد يكون اليوم العالمي للمرأة، بكل ما يكشفه من دراسات وإحصاءات، بمثابة فضيحة مجلجلة للعرب. يستحق وقفة متأملة، يتبعها اتخاذ قرارات جادة. فيا رجال العرب استفيقوا! لأنه لا نهضة لكم ترتجى، في زمن التعاضد والتواصل، من دون شريكاتكن في البيت ورفيقاتكن في المواطنة.
الشرق الأوسط _ وطن اف ام