تلحق به النعاج، والخراف، أنّى تحرك، وإلى حيثما اتجه. هو سيد القطيع، دونما شك، ويتميز على أقرانه بميزات كثيرة، في شكله، وحجمه، كما في سلوكه. رأسه مزيّن بالخرز والشرائط الملونة، وفي رقبته جرس، يرن عند كل التفاتة منه، يميناً أو شمالاً، لكي ينبه القطيع إلى بدء رحلة الذهاب إلى واحات الكلأ والماء، أو العودة منها إلى حظائر النوم.
لكن المرياع، وهذا اسمه الذي عرفته به العرب، لا يتحرك على هواه، أو بمشيئته. لقد تربى، وتعلم، على ألا يمشي إلا إذا مشى الحمار الذي يركبه الراعي. عينه دوماً على الحمار، وعيون أقرانه عليه. ينهر الراعي الحمار، فيتحرك، ويلحق به الخروف الرئيس، من فوره، ثم سرعان ما تهرول الخراف والنعاج الأخرى وراءه، خطوةً بخطوة، من دون حتى أن تكلف نفسها عناء النظر إلى الطريق.
كيف يصير المرياع مرياعاً؟
ليس في سيرة المرياع المعروفة ما يشير إلى امتلاكه قدرات أكبر من أي خروف آخر. هو مثلهم، تماماً، أو أقل قليلاً، وإن اختلفت ظروف نشأته، وطرق تربيته. تقول المحكيات الموروثة عند العرب، في هذا الشأن، إن الراعي يختار الخروف الذي يريد له أن يكون مرياعاً، منذ ولادته، ويعزله عن أمه، قبل أن يرضع منها، أو يتذوق طعم حليبها، ثم يدربه على الرضاعة من إناء، مثبت في خُرج حمار، وبطريقة خصبة المعنى؛ إنه، أي الراعي، يضع إصبعه في إناء الحليب، ليمتص الخروف الرضيع حاجته، عبرها، كأنها حلمة ثدي أمه، ويناديه، في الأثناء، باسم معين، ليتعود على صوته، ويألفه، شيئاً فشيئاً، وصولاً إلى موعد فطامه، بعد نحو أربعة شهور، حين يصير أليفاً وودوداً، ولا يخاف سيده، أو أي سيد آخر، بل يتمسح به، مثل كلب وفي، كي يحصل منه على كسرات خبز جاف.
والأهم ربما، في طريقة جعل المرياع مرياعاً، هو إخصاؤه، فبذلك فقط يضمن صاحبه ألا تحركه الغريزة، يوماً، في اتجاهٍ سوى الذي يتحرك نحوه الحمار، انصياعاً لرغبة الراعي. وبذلك، أيضاً، يفقد كل مصلحة محتملة، أو ممكنة، مع القطيع، ليرتبط، أكثر فأكثر، بما في خرج الحمار من فتات الطعام.
وعلى الرغم من المعروف عن خوف الخراف من الكلاب، فإن علاقة وطيدة تنشأ، عادةً، بين المرياع والكلب الذي يحفظ أمن القطيع، بحيث يصيران حليفين، لا تنفصم لتعاونهما عرى، في سبيل سير الجميع على خطى الحمار، ومعاقبة كل من تسول له نفسه الخروج عن وحدة الصف.
أما ما يبدو عصياً على الفهم، لدى كاتب هذه السطور، على الأقل، فيتلخص في دوافع جريِّ الخراف، بالمئات، خلف مرياعها، وهي تراه يجري وراء حمار. صحيح أن المحكيات الموروثة تتحدث عن معاقبة من لا يفعل، بحرمانه من الخبز، وبإفلات الكلب ليعيده إلى جادة الصواب، لكن الشائع عن أكثريتها أنها تنساق، دوماً، إلى حيث لا تدري، من دون ترغيب، أو ترهيب، وهي، لا تتوانى عن مواصلة هذا السلوك الذي يستغله الراعي، لاقتيادها، لا إلى المراعي فحسب، وإنما إلى المسالخ، لذبحها، هناك، في كثير من الأحيان.
تنويه أخير: كل تشابه بين المرياع في هذه المقالة والمرياع في أي بلد عربي مقصود تماًما. وليس من قبيل المصادفة، قطعاً، تشابه الخراف الافتراضية، هنا، مع الخراف البشرية التي تجري وراءه، وهو يجري وراء حمار، أياً ما كان اسم الأخير، ومهما اتخذ من صفات وألقاب. للقارئ أن يتخيل، إن شاء، من يكون الحمار، في كل حال، ولا جدال طبعاً، في من هو الراعي.
قسم الأخبار – وطن اف ام