مقالات

أمجد ناصر : هل هناك شيء اسمه شعب فلسطيني؟

يُضربُ المثل، عادةً، بجهل الأميركيين ببلدان العالم وشعوبه وتواريخهم. لكن، يبدو أن السياسيين الأميركيين هم أجهل الجميع. تذكّروا فقط جهل جورج بوش الابن بأسماء بعض البلدان الحليفة له ورؤسائها.

غير أن اقتران الجهل بالتجهيل المقصود، والعنصرية بالانتهازية السياسية، يمكن أن يصل إلى حد شطب شعب من الجغرافيا، وكأنَّه لم يكن.
ومرة أخرى، أقصد للمرة الألف، يطلع سياسي أميركي جاهل، حاقد وعنصري، ليكرر كليشيه: لا وجود لشيء اسمه الشعب الفلسطيني. هذا ما قاله، أخيراً، حاكم ولاية آركنسو السابق والمرشح للرئاسة الجمهوري، مايك هاكيبي، بعد عودته من زيارة إسرائيل. لا يني هذا “الاكتشاف” المذهل يقع كلما زار سياسي أميركي إسرائيل، أو على نحو أدق، كلما قام سياسي أميركي بترشيح نفسه لمنصب حكومي، فما بالك بمن يضع عينه على البيت الأبيض.
ألم “يكتشف” الجمهوري العنصري، نويت غنغريتش، ذلك عندما دخل سباق الرئاسة عام 2011، وقال الكلمات نفسها: لا وجود لشيء اسمه الشعب الفلسطيني.
للتذكير فقط، نقول إنَّ كليشيه “لا وجود لشيء اسمه شعب فلسطيني” هي جملة رئيسة وزراء إسرائيل، غولدا مائير، والتي قالتها بعد حرب 1967 عندما سقطت فلسطين بكاملها تحت الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي. لكن، من هم أولئك الذين طردتهم حروب إسرائيل منذ 1948 واحتلت أرضهم كلها بعيد “حرب الأيام الستة”؟ من هم أولئك الملايين الذين هجّروا داخل بلادهم وخارجها، ورفعت إسرائيل في سمائهم نجمتها السداسية؟ إنهم ببساطة: عرب! ولا يستوي أن يكون المرء عربياً وفلسطينياً في الوقت نفسه؟! كيف ينتمي إلى بلد وقومية (ولا نقول إلى دين) في الوقت نفسه؟ هذا يبدو أنه صعب على إدراك الأميركيين، أو غيرهم ممن يسألون هذا السؤال الغبي، غير التاريخي.
لكن، كيف يكوِّنُ بولنديون، روس، مغاربة، عراقيون، أوكرانيون، بيض، سمر، سود البشرة، “شعباً” واحداً يدعى “الشعب اليهودي”، فليس هو السؤال. فلا يُسأل سؤال كهذا أمام “شعب الله المختار”.
من يجرؤ أصلاً على طرح هكذا سؤال: من أنتم أيها الذين جئتم إلى هذه الجغرافيا العربية المسماة فلسطين؟ من أنتم أيها الخليط البشري الطالع من عنصرية الغرب وعقده ولاساميته، كي تجردوا الشعب الذي طردتموه من اسمه؟ لا أحد يجرؤ على هذا السؤال، حتى لو صيغ بألطف العبارات وأكثرها دبلوماسية.
كم مرةً سمعنا أن الفلسطينيين لم يشكلوا دولة مستقلة في يوم من الأيام، وأنهم لم يبدأوا طرح سؤالهم “الفلسطيني”، إلا مع الانتداب البريطاني على فلسطين. لكن، من يقول هذا الهذر التاريخي ينسى أن كل بلاد الهلال الخصيب، بما فيها فلسطين، كانت تحت الحكم العثماني نحو خمسة قرون. هذا ينطبق على السوريين واللبنانيين والأردنيين والعراقيين، مثلما ينطبق على الفلسطينيين، لكنَّ لا أحد، اليوم، ينكر على السوريين والعراقيين واللبنانيين والأردنيين اسمهم، فلِمَ ينكر على الفلسطينيين هذا الاسم؟
نحن نعرف. وهم يعرفون. ومن يريد أن “يغلّب” نفسه سيعرف. كيف سيبررون للخليط البشري الذي كوَّنته الفكرة الصهيونية مكاناً لهم في فلسطين، وهناك شعب آخر اسمه الشعب الفلسطيني؟ عليهم أن يجرّدوا سكان فلسطين من اسمهم المستمد من مكانهم، وإحالتهم على فضاءٍ اسميٍّ واسعٍ هم العرب. لكن، أن يكون الفلسطينيون لاجئين في بلاد أشقائهم العرب، فليس مهماً. هذه مشكلة العرب، وربما “المجتمع الدولي”.
فلسطين سقطت بيد الاحتلال البشري والعسكري الصهيوني، ولكن، لم يسقط اسمها. فقد أدرك هذا الصراع على الاسم مفكرون وكتاب ومناضلون فلسطينيون كثيرون، منذ نهاية الحكم العثماني. مئات آلاف الشهداء والجرحى والأسرى قدموا حياتهم وحرياتهم الشخصية في سبيل بقاء هذه الكلمة: فلسطين، التي ينتمي إليها شعب، اسمه الشعب الفلسطيني.

العربي الجديد _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى