لم يسمع قادة إيران بعد بمبدأ “حق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية”، الذي يعني حقها في أن لا يتدخل أحد في شؤونها، أو يفرض إرادته عليها، أو يمارس أي نوع من التسلّط والإكراه حيالها.
لو سمع قادة إيران بهذا المبدأ الذي لولاه لانقلبت الحياة الدولية إلى غابةٍ، يتصارع فيها همج ووحوش، لكانوا أدركوا أنه ليس من حقهم التدخل في الشؤون العربية، بالطريقة التي يعتمدونها، هذه الأيام، في اليمن، وتقوم على تعيين أنفسهم أوصياء على شعبه الذي عليه إطاعتهم، والالتزام بما يرونه، مهما كان مجافياً لمواقفه ومصالحه، أليسوا أهل البيت الذين يحق لهم البت في شؤونه، بينما يجب على ضيفهم، شعب اليمن، الامتثال لإرادتهم من دون اعتراض، وإلا ناله منهم ما ينال العصاة على أيدي مراجعهم الشرعية التي أوكلوا أمرهم لها.
يضع قادة طهران أنفسهم خارج منظومة القوانين والأعراف الدولية، بتبنيهم منظومة قيمية معاكسة مضمونها، تجعل منهم مرجعية فوق بشرية، إلهية ومقدسة، لجميع مسلمي العالم، وخصوصاً من ابتلوا منهم بجيرتها، الذين يجب أن يبتهجوا ويثمّنوا إيجابياً ما تبذله من جهود مقدّرة لاختراق مجتمعاتهم ودولهم، لأن اختراقها يقرّبهم من لحظةٍ سينعمون فيها بالخضوع لولي الفقيه: قائد الحكومة الإسلامية، حكومة المسلمين الشرعية والوحيدة، حكومتهم العليا، العابرة حدودهم وبلدانهم، التي يجب أن يكون ولاؤهم لها غالباً على ولائهم لحكوماتهم المحلية، محدودة الصلاحيات والسيادة بالمقارنة معها، ولا بد أن تعد في حكم التابعة لها التي عليها الرضوخ لخياراتها، والانصياع لمواقفها ومصالحها.
بما أن هذا النمط من الحكومة العابرة للأمم لا يتفق مع النظام الدولي، القائم على مبدأ “حكومة واحدة لكل شعب أو أمة”، فإنه يتبنى منظومة قيم تقوّض مبادئ هذا النظام، كعدم التدخل في شؤون الآخرين الداخلية، واحترام سيادة دولهم، وحق شعوبهم في تقرير نمط نظامها السياسي والاجتماعي، وحل المشكلات التي قد تنشأ معهم سلمياً ومن دون عنف، واحترام حقوق الإنسان والمواطن… إلخ، ويعطي نفسه حقاً غير مقيّد في الاعتداء على جيرانه، وانتهاك سيادة دولهم وتقويض شرعية نُظُمهم.
وأخيراً، في منح نفسه صلاحيات يفترض أنها خاصة بحكوماتهم الوطنية وحدها، تعبّر عن علاقاتها السيادية مع شعوبها، المختلفة، كل الاختلاف، عن علاقات أي طرف خارجي معها.
من يستمع إلى تصريحات قادة طهران حول اليمن، يعتقد أن شعبه فارسي، وليس عربياً، وبايع الولي الفقيه الإيراني، وأن “عاصفة الحزم” تدمر طهران أو قم، ولا تدافع عن وطن عربي ضد غزو خارجي، إيراني، نفذته جماعة داخلية، درّبها وسلّحها وموّلها الحرس الثوري، وها هو يقاتل إلى جانبها ضد أغلبية اليمنيين، الموالية للشرعية ولرئيسها. بعد الحرب العالمية الثانية، وتشكل دولنا الوطنية المستقلة، ابتلينا بتسلّط أميركي فاضح علينا.
واليوم، تتسلّط إيران علينا، بحجة مضمرة، تجعل قادتها حكامنا الحقيقيين، وحكامنا إما من أتباعها، كحسن نصر الله، أو غير شرعيين ومن حقها قلبهم بالقوة، مباشرة أو بالواسطة، مثلما حدث في اليمن باسم ثورةٍ لم يرها أو يشعر بها أحد. في حالة أميركا، كنا ندين تسلّطها باعتباره تدخلاً في شؤوننا الداخلية يخالف القانون الدولي.
أما في حالة إيران، فيبدو أن ذلك لم يعد من حقنا، بعد أن أخرجتنا طهران من النظام، كي تخضعنا لنظام مذهبي شمولي وغير إنساني، دمر بلداننا ويبيد اليوم شعوبنا. أيها الإخوة/ الأعداء: تعالوا إلى الصلح قبل الندم.
العربي الجديد _ وطن اف ام