رغم أن القرار الأميركي هو قرار مؤسسات وولوبيات وليس قرار فرد، حتى لو كان هذا الفرد هو الرئيس، فإنني أعتبر أن للرئيس الأميركي باراك أوباما، باعتباره رمزا لهذا القرار، حسنة واحدة على دول الخليج بشكل خاص وعلى الدول العربية بشكل عام. هذه الحسنة اليتيمة هي وضعهم بشكل مباشر أمام أنفسهم وأمام استحقاقات أوضاعهم الداخلية والخارجية معا. أي أن يكونوا أو لا يكونوا بقدر استيعابهم، أو عدم استيعابهم، للدروس الأميركية الجديدة، ودروس دولية وإقليمية أخرى قديمة وجديدة.
لم يزعجني، كما أزعج كثيرين، أن يخرج أوباما من الموضوع الأكبر مع إيران وملفها النووي وتهديدها للمنطقة بأكملها إلى موضوعات سنية أصغر، هي التي تشكل تهديدا للدول العربية وليس تهديدات إيران أو غيرها. هذه التهديدات الداخلية حسب قول أوباما تتمثل في “سكان مقصيين في بعض الحالات، وشباب عاطلين عن العمل، وأيديولوجية هدامة وإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم”.
أوباما، في ذات الحديث مع الصحافي والكاتب الأميركي توماس فريدمان، قال إنه سيجري حوارا صعبا مع حلفاء الولايات المتحدة العرب في الخليج، وسيعدهم خلال هذا الحوار بتقديم دعم أميركي قوي ضد الأعداء الخارجيين، بينما جدّدَ، في نقطة أخرى تضامن الولايات المتحدة مع إسرائيل، بالرغم من الخلافات بينهما بشأن الاتفاق المرحلي حول البرنامج النووي الإيراني، وقال ما مفاده إن دفاع أميركا عن وجود وأمن إسرائيل لا يتزعزع.
ما يمكن أن نخرج به من هكذا حديث في هذا التوقيت، هو التلويح من جانب بجرثومة ما يسمى الربيع العربي في دول الخليج، حين يجري الحديث عن “السكان المقصيين والشباب العاطلين والمظالم السياسية”. هذه، كما نعلم، كانت بضائع ما سمي ربيعا عربيا قبل أن يكتشف الثائرون في الميادين والشوارع أنهم استخدموا كوقود تضاء به طرق خارطة “الفوضى الخلاقة”، وتوقد به نيران الفرقة والتقاتل بين أبناء الوطن الواحد، بل بين الأشقاء وأبناء العمومة كما هو حاصل في اليمن وليبيا بالذات.
الأمر الآخر الذي نخرج به من حديث أوباما هو أن أميركا لم تعد حليفا مطلقا لدول الخليج العربية في المنطقة، وإنما بائع أسلحة لهذه الدول لصد أي عدوان خارجي عليها كما قال أوباما، بينما لا يشي الواقع بوجود احتمالات لهذا العدوان الخارجي، في المستقبل المنظور، سوى من جانب إيران التي أصبحت محظية الرئيس الأميركي، التي طالما غضت إدارته الطرف عن تدخلاتها وخطاياها في أكثر من بلد عربي امتدت إليه يدها، وعبثت بأمنه ومصيره.
إيران إذن، وربما يكون هذا خلاف ما يراه كثيرون، ستكون أكثر من السابق، تحت غطاء المجاملة والتساهل الأميركي، أكثر استعدادا وقدرة لمواصلة تدخلاتها في دول المنطقة وإزعاج وإرباك المكون السني العربي بيدها أو بيد غيرها من قادة الشيعة العرب، لاسيما في العراق ولبنان، اللذين يشكلان الآن رأسيْ حربة لتمزيق الأمن القومي العربي، وتمكين الإيرانيين من أهدافهم.
نُصرة أجندة إيران بفعل وتدخل مباشرين من الشيعية السياسية العربية أصبحت أكثر وضوحا وعلانية بعد ردة الفعل الحادة، بل والهستيرية، التي أظهرها رئيس وزراء العراق حيدر العبادي، ووزير خارجيته إبراهيم الجعفري، وأمين عام حزب الله حسن نصرالله، على قيام تحالف عاصفة الحزم العربي لقتال الحوثيين وقوات صالح في اليمن، وإعادتهم إلى طاولة الحوار التي تجمع كل اليمنيين على قدم المساواة وليس باستقواء فريق على فريق آخر.
إسرائيل، بطبيعة الحال، هي الرابح الأكبر من مثل هذا الوضع المضطرب في المنطقة. وأرباحها ليست نتيجة لخسائر إيرانية، بالرغم مما يبدو من قوة ردود فعلها المضادة للبرنامج النووي الإيراني. إسرائيل ستربح من هذا الوضع بالدرجة الأولى على حساب خسائر فلسطينية وعربية من المتوقع أنها ستتضاعف في السنوات القادمة، حين تتكرس عملية الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الفلسطينيين وتغييب عملية السلام إلى الأبد ويصبح الكيان الصهيوني، العدو التقليدي للعرب، واقعا مفروضا ليس أمامهم من خيارات سوى الاعتراف به والتعامل معه كدولة كاملة العضوية والمشروعية في إقليم الشرق الأوسط.
والفضل في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى إيران التي خاضت على مدى خمس وثلاثين سنة حربا سرية وعلنية ضد الدولة الوطنية العربية في أكثر من مكان. واستغلت فرص سيولة بعض المواقف الدولية، كما استغلت الليونة العربية لتضعف مكونات الدول العربية التي تمكنت من مفاصلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل والعسكرية أحيانا كما هو الحال في العراق ولبنان، وكادت أن تفعل الشيء ذاته في اليمن، لكي تخدم الطموحات الإسرائيلية في مقابل أن تحصل على دعم الإسرائيليين والأميركيين لتحقيق أهدافها في التمكين لحلم الإمبراطورية الفارسية، التي يقع مداها الجغرافي فيما بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر كما صرح بذلك قادة سياسيون وعسكريون إيرانيون.
إذن فإن حلم دولة إسرائيل الكبرى وحلم الإمبراطورية الإيرانية هما حلمان، إذا استبعدنا الحلم التركي العثماني مؤقتا، يتقاطعان على المنطقة العربية التي أصبحت مكشوفة أمام أطماعهما نتيجة لتحول عدد من الدول العربية إلى دول فاشلة، أو على أكثر تقدير أصبحت دولا ضعيفة وغير قادرة على المناجزة المتوازنة مع خصومها في المنطقة.
في مثل هذه الحالة ليس أمام العرب سوى خيار المقاومة لهذه الأطماع التي تحيط بهم من كل جانب. وخيارهم هذا لن ينجح إلا إذا توحدت قدراتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية وحصل ذلك التكامل فيما بينهم، لخلق واقع جديد يقوم على بناء نظام عربي قادر على مواجهة المهددات التي تلفها جميعا. هذه المهددات متمثلة في تداعيات ما يسمى الربيع العربي من تفك+يك الدولة الوطنية ونشوء الحروب الأهلية، والإرهاب الذي عبر حدود الدول ولم تعد دولة عربية بمنأى عنه، ثم وهذا هو الاستحقاق العربي الأكبر، في القادم من السنوات، وقف مهددات الأطماع الإمبراطورية التي تزحف على خريطة وجودهم واستقلال بلدانهم وقرارهم.
الأمل، رغم شراسة التيئيس في الوقت الحاضر، لا يزال موجودا في حدوث صحوة عربية تكون على مستوى الأحداث والمعطيات السياسية والعسكرية في المنطقة. وعاصفة الحزم العربية عظمت هذا الأمل، على أساس أنه لا عودة بعدها لما سبقها من ضعف وضياع عربييْن، بل مواصلة “التحشيد” العربي لكل ما من شأنه قطع الطريق على كل الأطماع والتربصات التي استغلت فيما قبل هذا الضعف والضياع.
العرب اللندنية _ وطن اف ام