ثمة غموض مازال يكتنف الملابسات التي صاحبت الاعلان المفاجئ عن انتهاء عملية «عاصفة الحزم» مساء امس الاول، وبدء عملية «اعادة الامل»، خاصة ان الغارات الجوية استمرت امس، وهو ما دعا الامين العام للامم المتحدة للاعراب عن «قلقه»، رغم تبرير قيادة التحالف لاستئناف العمل العسكري بمحاولة الحوثيين استغلال الظروف لتحقيق تقدم على الارض بالاستيلاء على احد الوية الجيش.
المؤكد اننا امام مشهد بالغ التعقيد تتداخل فيه حسابات محلية واعتبارات اقليمية وتوازنات وصراعات دولية، تفرض شروطها على صانع القرار، وتضع حدودا لما يمكن ان يذهب اليه. لقد تحول اليمن الى الساحة الاكثر سخونة لمواجهة تنذر بتفجير صراع اقليمي، يستحيل توقع ما قد يسفرعنه من نتائج.
ومع التدهور الكارثي للوضع الانساني، والذي جعل نحو ثلثي السكان يعانون خطر مجاعة حقيقية، ناهيك عن انعدام الرعاية الصحية، حسب منظمات دولية، فان ما يحتاجه اليمن ليس «اعادة الامل» فقط، بل «اعادة الحياة».
الا ان ثمة نقاطا تبقى على هامش التطور الاخير الذي نأمل ان يؤدي حقا الى تسوية سياسية قابلة للحياة، ومنها:
اولا – مع انطلاق «عاصفة الحزم» اكدت السعودية استمرارها حتى «اعادة الشرعية المتمثلة في الرئيس عبد ربه هادي، واستسلام الحوثيين»، وهو ما لم يتحقق حتى الان. الا ان تصريحات سعودية تزامنت مع الاعلان عن انتهائها امس الاول اشارت الى ان «العاصفة» حققت اهدافها المتمثلة في «منع الحوثيين من تهديد الامن الاقليمي»، وسيكون اليمنيون بانتظار تحقيق هدفهم الاساسي بعودة الشرعية.
ثانيا- كان من المتوقع ان القصف الجوي وحده لن يستطيع ان يكسب الحرب في اليمن، وكان التدخل البري مطروحا كخيار ممكن في «الوقت المناسب»، وبالفعل تمت الاتصالات بين دول في التحالف بهذا الشأن، الا ان ثمة عراقيل سياسية غير متوقعة استبعدت امكانية ارسال قوات على الارض الى داخل اليمن، وتزامن ذلك مع تصاعد ضغوط دولية من قوى عظمى لا تريد ان تجد نفسها طرفا في حرب اقليمية كبرى بين العرب والايرانيين عند مدخل باب المندب، فهل كان ذلك سببا مباشرا في الاعلان المفاجئ عن انتهاء «العاصفة»، مع الاستمرار في القيام بتدخلات عسكرية «عند اللزوم»؟
ثالثا- ان «عاصفة الحزم» التي انتهت كما انطلقت، فجأة، كانت بأي مقياس حدثا تاريخيا كاشفا، بالنسبة الى معطيات القوة والصراع في هذا الجزء من العالم. ومن المثير تلمس ما ستتركه من آثار على تحالفات تقليدية اقليميا ودوليا. وهي كرست توجها اقليميا الى المبادرة بالتدخل العسكري، اما لحماية الامن الوطني او لتوسيع النفوذ، وبالتالي قد لا تكون «اخر العواصف». الا ان الاسئلة هنا اكثر من الاجابات، ومنها: لماذا امتنعت روسيا اخيرا عن التصويت في مجلس الامن بشأن اليمن؟ وكيف يؤثر هذا على علاقتها بطهران؟ وكيف يمكن تفسير ذلك في ظل قرارها بمنح ايران منظومة الصواريخ اس 300 المتطورة؟ وهل استهدفت حماية علاقاتها مع العرب والايرانيين على التوالي من التغول الامريكي؟ وهل تستمر طهران في مغازلة مصر بعد مشاركتها المحدودة في «العاصفة»؟
رابعا- تشكيل التحالف العسكري بشكل سريع ومفاجئ اعطى درسا هاما لقوى اقليمية بعدم التمادي في فرض أجندتها وتوسيع نفوذها في المنطقة، ونأمل أن يكون هذا التحالف رسالة تحذير لأنظمة أخرى في المنطقة لا تتوانى عن قمع شعبها.
واخيرا فمن الواضح ان «عاصفة الحزم» لم تحسم الوضع العسكري، ومن المهم الآن ان تركز بعد ان تحولت الى «اعادة الامل» على الخيار السياسي حصريا، حتى تكون بداية للسلام المنشود، وليس بداية لحرب جديدة بلا نهاية في المستقبل المنظور.
القدس العربي _ وطن اف ام