مقالات

محمود الريماوي : عاصفة انتهت ولم تتوقف

يوم الأربعاء، 23 إبريل/نيسان الجاري، وهو اليوم التالي، أو الأول، للإعلان عن انتهاء “عاصفة الحزم”. غاب الناطق باسم قوات التحالف العربي، العميد أحمد العسيري، عن شاشات التلفزة. لكن العمليات العسكرية للتحالف لم تتوقف، خلال ذلك اليوم، على مواقع عسكرية للانقلابيين وللقوات التي تتبع علي عبد الله صالح، في شمال اليمن وجنوبه، الأمر الذي أدى بمتابعي العسيري إلى افتقاد حضوره، من أجل تسليط الأضواء على جديد عمليات الأربعاء.

لكن العاصفة “انتهت وحققت أهدافها”، فلماذا يظهر الناطق باسم التحالف، ولماذا انتظار ظهوره؟ البلبلة التي استشعرها متابعو الموقف، شملت صانعي القرارات في دول مهمة، مثل الولايات المتحدة! مديرة الاتصالات في البيت الأبيض، جين ساكي، قالت لسي. إن. إن، إنه من الواضح أن المهمة لم تنته في اليمن، داعية أطراف النزاع إلى التعاون من أجل التوصل إلى حل سياسي، فيما كان الناطق باسم البيت الأبيض، إيريك شولتز، أكثر وضوحاً في مؤتمر صحافي الأربعاء بقوله إن نهاية العمليات العسكرية في اليمن تشكل فرصة لفتح الأبواب أمام المفاوضات بين مختلف الأطياف السياسية في البلاد، ودعا شولتز إلى استئناف الحوار اليمني، مؤكداً أن العمليات العسكرية لا تحل المشكلات في اليمن.

تصرف الحوثيون باعتبار أن الإعلان عن توقف “عاصفة الحزم” بمثابة فرصة عسكرية سانحة لهم. فواصلوا هجومهم المكثف على عدن، وهاجموا لواء عسكرياً في تعز جنوب صنعاء، سبق أن أعلن انضمامه إلى الشرعية. وبينما سرت أنباء عن تعهد الحوثيين بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2216، إلا أن ناطقاً باسم المجموعة الانقلابية (محمد عبد السلام)، وفي أول تصريح لجماعته عقب إعلان انتهاء العاصفة، طالب بوقف الغارات ورفع الحصار من أجل الشروع في حوار برعاية الأمم المتحدة. لم يتعهد باسم جماعته بأي شيء. طالب بالوقف التام لعمليات التحالف العسكرية.

ومساء الأربعاء، كان السفير السعودي في واشنطن، عادل الجبير، يعلن أن الحوثيين يتقدمون نحو عدن من ثلاث جهات، وتوقّع دخولهم المدينة خلال ساعات (من تصريحه). يصعب على من يتابع هذه التطورات، ناهيك باليمنيين أصحاب الشأن، النجاة من الشعور بالبلبلة. لقد تم الإبقاء على باب القيام بعمليات جديدة مفتوحاً، وجرت بالفعل عمليات جديدة بسلاح الجو، ولكن، في ظرف مختلف عن الذي كان سائداً قبل الإعلان عن انتهاء العاصفة. فقد انتقلت التوقعات من انتظار نتائج للضغط العسكري على الحوثيين، إلى الإسراع في حل سياسي، كما تدل على ذلك تصريحات الناطقين الأميركيين. ولكن، مع غياب العوامل التي تؤدي للولوج إلى بوابة هذا الحل. فالانقلابيون ضاعفوا نشاطهم في اليوم التالي.

والشرعية في الداخل، ممثلة بالمقاومة الشعبية والألوية العسكرية المؤيدة للشرعية والرأي العام اليمني، هذه الأطراف افتقدت، فجأة، قوة الضغط الهائلة التي لا مناص منها التي كانت توفرها عاصفة الحزم. صحيح أن العاصفة مستمرة، لكنها فقدت بعض زخمها، إن لم يكن الكثير منه. التساؤل الذي ظل يحوم في الأذهان، يومي الأربعاء والخميس، هو إذا ما كان هناك زخم مكتوم سياسي أو تفاوضي، يضمن تحقيق كامل أهداف هذه العملية. فالنُطق باسم التحالف يتم من الرياض فقط. والرياض أعلنت بياناً موجزا على لسان العسيري لا يجيب عن هذا التساؤل. إلى ذلك، فإنه ليست هناك مفاوضات مباشرة بين التحالف والانقلابيين، وحسناً إنه ليس هناك مثل هذا التفاوض.

الطرف الوحيد الذي بدا متنازلاً هو الرئيس السابق علي عبد الله صالح وأوساطه. فبينما كان وزير خارجيته، أبو بكر القربي، يطوف بين القاهرة ومسقط، لترويج مبادرة من صالح، فإن تصريحاته، يوم الأربعاء، دلت على تسليم بضرورة العودة عن الانقلاب، والعودة إلى الشرعية والمبادرة الخليجية. وهو، اليوم الذي تردد فيه أن صالح غادر اليمن، مع ترجيح أن تكون إثيوبيا هي وجهته، بما ينبئ أن انفكاكا تم بين ثنائي الانقلاب. لعل هذا هو التطور الأبرز، لكنه، على أهميته، لم يتبلور بعد بصورة نهائية، ولا يكفي للاستخلاص أن العملية حققت جميع أهدافها، فالحوثيون ما زالوا على الأرض، ولم يصدر عن ناطقهم ما ينبئ بتراجعهم عن الانقلاب. يريدون الحوار فقط، مع استمرار إمساكهم بمفاصل الدولة، وبما تبقى من سلاحهم (عشرون في المائة مما كانوا يمتلكونه، وفق إيجاز من العسيري).

أما المبادرة الأبرز، وهي العُمانية ذات النقاط السبع، فلم يرشح أنها لقيت قبولاً من الانقلابيين. وهي تجسد، بالفعل، أهداف التحالف العربي، وتضمن، في حال قبولها وسريان تنفيذها، وضع حد نهائي للانقلاب، والعودة إلى العملية السياسية، ووقف لإطلاق النار شامل، غير أنها بقيت مجرد مبادرة. وقد دخلت على الخط الدبلوماسية المصرية في اللقاء الذي جمع الثلاثاء وزيري الخارجية السعودي والمصري الأمير سعود الفيصل وسامح شكري في الرياض. هل قدم شكري مبادرة معدلة؟ هل نقل اشتراط الانقلابيين وقف العمليات من أجل القبول بمبادرة مسقط أو ما هو قريب منها؟ لعل هذه التقديرات قريبة من الصحة، إذ سبق لناطق باسم الحوثيين، الثلاثاء، الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق شامل (عبد الملك العجري عضو المكتب السياسي للجماعة).

والخشية أن تكون هناك مناورة قد تمت، وأدّت إلى إعلان انتهاء عاصفة الحزم، مناورة لضمان وقف العملية العسكرية أولاً، مقابل وعود آجلة من الحوثيين. وبالنظر إلى سلوك هؤلاء في العامين الماضيين، وإدمانهم على المناورات والإصغاء لنصائح واستشارات أوليائهم في هذا الخصوص، فإنه ليس من المنتظر أن ينفذوا أي شيء ذي بال. لقد سبق أن أعلنوا رفضهم قرار مجلس الأمن 2216 حال صدوره. ويدل مجمل سلوكهم على أنهم يحتكمون إلى سطوة السلاح، أولاً وقبل كل شيء، ويستنسخون تجربة حزب الله في لبنان بالتمسك بأسلحتهم.

تستمر “عاصفة الحزم” بوتيرة أخرى، وبمسمى جديد “إعادة الأمل”، وبما يضيق الخناق على الانقلابيين، والعبرة في النتائج الحسية. حسناً، إنها وجهة نظر جدية، لكن التفويض، أو الغطاء، الدولي والإقليمي الواسعين، لـ “عاصفة الحزم” قد يكون مهدداً بالتراجع، ما دام التحالف العربي نفسه قد أعلن الناطق باسمه انتهاء هذه العاصفة.

وبذلك، فإن تغير البيئة السياسية الإيجابية، قد يحِدّ من التفويض الممنوح سابقاً. لقد تم من قبل تحقيق انتصار سياسي، بصدور قرار مجلس الأمن ذي العلاقة. من المهم الإبقاء على زخم هذا الانتصار، والحذر الشديد من المناورات، فهذه الحرب هي امتداد لموقف سياسي، يتلخص في إنهاء انقلاب الحوثيين، بجميع مقدماته وتداعياته ومشتملاته، ولا يُعقل أن تتوقف الحرب لقاء وعود آجلة من طرفٍ لم يسبق أن التزم بوعوده تجاه شعبه وجيرانه.

العربي الجديد _ وطن اف ام

 

زر الذهاب إلى الأعلى