مقالات

إياد الجعفري : تغريدات خاشقجي ورهان السوريين

في الأسابيع القليلة الماضية، ألهبت تغريدات متتالية للإعلامي السعودي، جمال خاشقجي، على حسابه الشخصي في “تويتر”، آمال بعض السوريين الذين ما يزالون يراهنون على تدخل خارجي، مباشر، أو غير مباشر، يُنهي أزمة بلادهم المُستعصية في غضون أشهر.

تغريدات الإعلامي السعودي، الذي يُوصف بأنه مقرّب من مطابخ صنع القرار بالرياض، تزامنت مع انتصارات المعارضة المسلحة في إدلب خلال نيسان الفائت، وألمحت إلى انتصارات أخرى مُرتقبة، ستدفع بالكثيرين من العلويين للنزوح إلى لبنان، وتهدد اللاذقية ومعاقل العلويين في جبالها. كانت بضعة تغريدات لـ خاشقجي كفيلة بارتفاع أصوات إعلاميين وناشطين ومحللين سوريين بالحديث عن اقتراب نهاية النظام وفق سيناريوهات مختلفة، بصيغ تخلط بين ما يُوصف بأنه معلومات مُسربة، وبين ما يُوصف بأنه تحليلات وقراءات وتأويلات، تُراهن على خطط تركية – سعودية للتدخل المباشر في سوريا، ستُنفذ قريباً.
ليست المرة الأولى التي ترتفع فيها آمال السوريين المراهنين على الخارج، لتصل عنان السماء، قبل أن تسقط سقوطاً مدوياً ومؤلماً. ليس السبب في ذلك أن الرهان على الخارج بحد ذاته خاطئ، بل المشكلة تكمن في أن الرهان على الداخل هو ما يجب أن يكون الأساس الذي يقوم عليه الرهان على الخارج، وليس العكس.
اللافت أن الإعلامي السعودي، جمال خاشقجي، كتب بنفسه مقالة مهمة للغاية في صحيفة الحياة، أمس السبت، ألمح فيها بوضوح إلى أن رهان السوريين الأساسي يجب أن يكون على وحدة “مجاهدي” الداخل، وأن على هؤلاء ألا ينتظروا لا السعودية ولا تركيا لدعمهم، لأن لدى هاتين الدولتين أولويات أكثر حيوية من الوضع السوري، وأن رهان “مجاهدي” الداخل يجب أن يكون على وحدتهم وتآلفهم، وعلى استغلال زخم انتصاراتهم المتتالية مؤخراً، وتداعياتها على نظام الأسد.
بناء على ما سبق، يجب أن تكون الصورة واضحة لجميع السوريين: أن أي تغيير حاسم للمشهد الميداني السوري يجب أن يكون أساسه وحدة صف المعارضة بمختلف، أو معظم فصائلها، في الداخل. وحدة لا يمكن من دونها التأسيس لدعم خارجي نوعي، قادر على تقديم دفع جديد لقوة المعارضة بسوريا.
ويجب أيضاً أن تكون الصورة واضحة لجميع السوريين، أن أي دعم خارجي نوعي، لن يكون مباشراً، وأن الرهان على “عاصفة حزم” بالصيغة التي حصلت في اليمن، غير واقعي في الحالة السورية.
وأن أي “عاصفة حزم” بالمعنى المجازي في سوريا، ستكون عبارة عن دعم خارجي نوعي، لكنه غير مباشر. بمعنى آخر، على السوريين ألا ينتظروا تدخلاً عسكريا ًمباشراً لا بالطائرات، ولا بالجنود، من دول عربية وإقليمية. أقصى ما يمكن أن ينتظروه، تسليح نوعي لفصائل معارضة تُثبت جدارتها وكفاءتها، من حيث حسن التنظيم والتكاتف من جهة، وحسن إدارة المعركة وما بعدها، من جهة أخرى.
على الجانب الإعلامي الغربي، تكثر اليوم النبوءات بقرب سقوط نظام الأسد، بدءاً بتحليلات نشرتها صحف ومجلات أمريكية عريقة، كالواشنطن بوست ونيويورك تايمز وفورين بوليسي، تُوحي بأن نظام الأسد بانتظار الضربة القاضية للانهيار، وليس انتهاءاً بشائعة نقلها التلفزيون الفرنسي، لوهلة، عن انقلاب عسكري في دمشق، نفذه ضباط داخل الجيش السوري ضد الحلقة الضيقة في النظام. أيضاً، تلك الموجة من التأويلات والتحليلات، ليست الأولى من نوعها، فقد سبق أن ازدحم الإعلام الغربي بقراءات تتنبأ بقرب سقوط نظام الأسد خلال فترات محددة من السنوات الأربع الماضية، ذهبت كلها هباءً.
والسبب ببساطة، ليس أنها تحليلات سطحية وساذجة، بل هي تحليلات اعتمدت حينها على معطيات ميدانية واضحة، كما هي التحليلات المتداولة اليوم، لكن القصة أن اندفاعات المعارضة المسلحة السورية في فترات سابقة من الثورة السورية سرعان ما لُجمت، لأسباب عديدة، أبرزها سوء استغلال فصائل المعارضة لمكاسبها، وتنازعها وتفككها، وتشرذمها، وصراعاتها الجانبية على المساحات الجغرافية التي تسيطر عليها. اليوم، من جديد، تتكرر هذه الحالة…اندفاعة ميدانية لقوى المعارضة، وسط ائتلاف قوي لأبرز هذه القوى، وبناء على هذه الاندفاعة، تتناقل وسائل الإعلام، العربية منها والغربية، سيناريوهات مُرتقبة لسقوط نظام الأسد.
فماذا سيحدث بعد هذه الاندفاعة؟…الجواب في واحد من سيناريوهين، إما أن يتكرر ما سبق أن حدث في المرات السابقة، فتختلف الفصائل المؤتلفة في ما بينها على فتُات الانتصارات المحققة اليوم، وتنشغل بها عن متابعة التقدم، فتذهب هذه الاندفاعة هباءً، بل وربما تتبعها انتكاسات، أو أن تكون العِبرة قد اكتملت في أذهان قادة العمل الميداني في الداخل، وأن يكون ائتلافهم هذه المرة أكثر متانة من سوابقه، فتُؤتي هذه الاندفاعة أُكلها باتجاه تهديد وجود نظام الأسد بالفعل، وليس فقط بالسيناريوهات.
خلاصة القول، من المبكر للمراهنين على سقوط نظام الأسد أن يكتبوا عبارة النهاية، فالطريق على ما يبدو ما يزال طويلاً جداً نحو دمشق، على خلاف ما يظن الكثيرون. والأهم مما سبق، أن على المراهنين على تدخل خارجي مباشر يُنهي أزمتهم أن يعوا، للمرة المليون، أن رهانهم الأساس يجب أن يكون على وحدة الداخل، وأن جهودهم يجب أن تكون موجهة نحو رص صفوف قوى المعارضة التي يمكن أن تتقبل الشراكة فيما بينها، لأن ذلك وحده هو الكفيل لتأسيس دعم خارجي نوعي قادر على هزيمة نظام الأسد بالفعل، أو على أقل تقدير، وضعه في خانةٍ من الضعف لا يجد بداً معها من التوصل لحل سياسي ينتهي بخروج الأسد وزمرته من البلاد، بأقل التكاليف الممكنة.

المدن _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى