تتجه الأنظار في الأسبوع القادم نحو منتجع كامب ديفيد الذي يستضيف لقاء القمة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وقادة مجلس التعاون الخليجي، وذلك بناء على طلب الأول احتواء تداعيات الاتفاق النووي المنتظر مع إيران، ومحاولة توضيح رؤيته لما يسمى بـ“عقيدة أوباما” التي وجهت خطواته السياسية الخارجية الأخيرة تجاه ملفات الشرق الأوسط والخليج العربي.
هل سيقنع أوباما ضيوفه، وهل ستحافظ واشنطن على رصيدها وصورتها ونفوذها المتبلور منذ عهد فرانكلين روزفلت إلى عهدي جورج بوش الأب وبيل كلينتون؟ هل تكون العروض الأميركية المقدمة إلى الرياض، وأخواتها، كافية في موازاة الترتيب الكبير مع طهران والعلاقة المتينة والدائمة مع إسرائيل؟ هل يطرح القادة العرب إستراتيجية مقنعة وعناصر جديدة تبرهن القدرة على احترام المصالح العربية والأمن العربي؟ هل يكون المكان فأل نجاح كما حصل عند استضافته محادثات حاسمة، أو مناسبة دبلوماسية تكرس التباعد، وتطوي صفحة من تاريخ أميركي – سعودي متشابك؟
كان “كامب ديفيد” المنتجع الريفي للرئيس الأميركي، شاهدا على محطات تاريخية وعلى علامات فارقة في السياسة الدولية. في هذا المكان رسم روزفلت وتشرشل في عام 1943 خطط الإنزال لمقارعة النازية في أوروبا، وهناك في 1973 التقى رجل الانفتاح ريتشارد نيكسون والزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف الذي بدأ المفاوضات مع الغرب. وارتبط اسم المنتجع بتاريخ الشرق الأوسط مع رعاية جيمي كارتر لاتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في 1978، ومع فشل بيل كلينتون في السعي للسلام الإسرائيلي – الفلسطيني في عام 2000.
فهل سيكون كامب ديفيد في 2015 المؤشر على نجاح أوباما في تمديد التحالف الأميركي – الخليجي، أو هل سيكون المكان الذي ينهي مفاعيل اتفاق كوينسي للعام 1945 بين الرئيس روزفلت والملك عبدالعزيز (المظلة الأمنية والحماية الأميركية مقابل تدفق الطاقة)؟
منذ سبعينات القرن الماضي كانت منطقة الخليج العربي إحدى المناطق المحورية بالنسبة إلى التوازنات العالمية والإقليمية، نظراً إلى حيويتها بالنسبة إلى سوق الطاقة وأمنها وحرية الملاحة. في الماضي كان الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون دقيقا عندما اعتبر أن “السيطرة على الخليج والشرق الأوسط هي المفتاح للسيطرة على العالم”، لكن الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما بدا بعيدا عن الواقعية السياسية وعن الدقة عندما طالعنا في مقابلته التلفزيونية في أبريل الماضي مع الصحفي طوماس فريدمان بقوله “إن المصالح الرئيسية لأميركا في منطقة الشرق الأوسط لا تتعلق بالأرض أو النفط”.
ين خطابه في القاهرة عام 2009، ومقابلته مع فريدمان في 2015، لم يحقق أوباما نجاحات في الشرق الأوسط إن لناحية الملف الفلسطيني – الإسرائيلي، أو لمرحلة ما بعد الانسحاب من العراق، أو لجهة مواكبة التحولات والخضات العربية وتداعياتها. وفي زمانه كانت السياسة الأميركية مشوبة بالكثير من التردد نتيجة أسلوب “القيادة من الخلف”، أو بسبب رهانات خاطئة على قوى معينة من دون اعتماد مقاربة شاملة في الإحاطة بتاريخ الدول وديناميكية المجتمعات.
والأدهى في كل ذلك بناء “عقيدة أوباما” منذ 2008 على وجوب المصالحة مع إيران لأنه كما شرح لفريدمان “سنقوم بالتواصل مع الآخرين، ونحتفظ في الوقت نفسه بكل قدراتنا”. لكن في الحقيقة بنى أوباما مقاربته من منطلق مذهبي في فهم الإسلام والإقليم. إن هذه القراءة “الأوبامية” للمشهد السياسي الشرق أوسطي وللعلاقة مع إيران، لم تكن إذن ظرفية، بل كانت نتاج تفكير بالخطط المستقبلية استنادا إلى ستيفن والت، البروفيسور في جامعة هارفارد وصاحب نظرية “التوازن الجيو سياسي بين السنّة والشيعة”، التي تبرر الاعتماد لاحقا على إيران كشريك محوري.
في مقاربة تطبيقية يعتبر أوباما “أن هدف الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط هو التوصل إلى توازن جيو سياسي بين دول الخليج السنّية وإيران”، وهذا يؤدي إلى نوع من التنافس أو حتى الشك من دون إشعال حروب دموية أو حروب بالوكالة. وفي مقابلة سابقة أوائل هذا العام أجرتها معه مجلة “بلومبيرغ فيوز” قال أوباما “على شركاء الولايات المتحدة من السنّة في الشرق الأوسط، قبول التغيير المقبل في علاقة الولايات المتحدة مع إيران”.
والملفت أن أوباما في مقابلته الأخيرة مع فريدمان، قام بهجوم سياسي استباقي على قادة الخليج وحول وجهة الانتقادات (بدل أن تنحصر في ثغرات الاتفاق مع إيران) وذلك عندما اعتبر أن التهديد الأكبر للدول العربية “قد لا يكون مصدره خطر الغزو الإيراني بل حالة التذمر الداخلية”. وذهب سيد البيت الأبيض بعيدا عندما وصف حلفاءه العرب بالسنة، ولم يصف إيران بالدولة الشيعية مثلا. بالطبع هناك وجوب للإصلاح والتنبه إلى مستقبل الشباب في الدول العربية، لكن ذلك النقد الأوبامي لا يطال إيران التي ليست في حال أفضل، وهو أصلا لم يدعم انتفاضتها الخضراء في 2009 ضد تزوير انتخابات أحمدي نجاد.
بينما تدور “الحرب الإسلامية – الإسلامية” على الأرض العربية (من الشام إلى اليمن) وعلى حساب العرب وبدفع إيراني ومواكبة أميركية، لا يعمل أوباما على ترتيب اتفاق حول الملف النووي فحسب، بل يراهن ضمنا على صفقة كبرى على غرار الصفقة التي أبرمها الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون مع الصين في السبعينات من القرن الماضي. وينطوي ذلك على عملية “إعادة تنظيم إستراتيجية” يحتمل أن تنهي عقودا من الحذر بين واشنطن وطهران.
بالنسبة إلى الخليج العربي، هذه الرؤية الأوبامية ليست مطمئنة على الإطلاق، لأنه لم يتم التعامل مع المملكة السعودية كشريك تاريخي، وكأحد أعمدة السياسة الأميركية في الإقليم. وتتقاسم غالبية العواصم الخليجية الخشية من أن يكون الاتفاق النووي المكافأة على سياسة التوسع الإيرانية، وأن تكون المبالغ التي ستجنيها طهران بعد رفع العقوبات وسيلة لاستكمال سياسة الاستباحة للأراضي والمصالح العربية.
لا يذهب قادة الخليج نحو واشنطن من دون أوراق وعناصر قوة، إذ مثلت “عاصفة الحزم” تحديا غير مسبوق عبر الانتقال إلى دائرة الفعل من خلال حلف عربي ومسلم (السنغال انضمت إليه أخيرا)، وأتى الاستقبال الاستثنائي للرئيس الفرنسي في القمة الخليجية الأخيرة ليمثل رسالة حول إمكانية تنويع الشركاء وعدم التعويل على واشنطن لوحدها. ويقول مصدر غربي “لماذا تطرح واشنطن على الدول العربية الخليجية منظومة الدرع الصاروخي ضد صواريخ طهران الباليستية، بينما لا تدرج الموضوع في المناقشات حول الملف النووي بالرغم من ثبوث حصول تجارب إيرانية على إمكانية إنتاج قنابل أو رؤوس نووية صغيرة تحمل على صواريخ”.
من دون اختراقات سيبقى الشك قائما، ومهما كانت نتائج قمة كامب ديفيد، يسود الشعور أن التعهد الأميركي الأمني لم يعد صلبا، بل إن واشنطن تسعى لنسج تفاهمات جديدة لن تكون، حكما، في مصلحة الحصانة الأمنية للخليج العربي بمواجهة الطامعين من حوله أو أحصنة طروادة من داخله.
الاختبار الحقيقي لضمانات أوباما سيتمثل في قبوله عدم السماح لإيران بلعب دور في الملف اليمني، وكذلك في تغيير موقفه المتردد حيال الملف السوري. من دون احترام الموقع العربي في إعادة تنظيم الإقليم سيبقى كل تعهد أميركي موضع شك، لأن واشنطن رفضت فكرة معاهدة دفاعية مع مجلس التعاون، على غرار ما هو قائم مع إسرائيل.
في زمن تراجع الصدقية الأميركية، وفي زمن التهافت على الخليج ودنيا العرب، طبقت الرياض نظرية صبر الجمل وصلابته في وجه الأصدقاء المفترضين والأعداء، وجمل الصحراء قادر على الصمود في زمن أوباما الرمادي.
العرب اللندنية _ وطن اف ام