ما الذي سيكون عليه مصير المنطقة العربية، إذا ما تحالف ضدها عدواها التقليديان، إيران من الشرق وإسرائيل من الغرب؟ ربما كان هناك من يعتقد باستحالة قيام تحالف بين دولتين، تبدوان مختلفتين في كل شيء، متفقتين على عدائهما العرب، لكنه عاقل من يستبق الأخطار، ويحسب حساباً للوقائع التي يقلب التراكم في شروط تحققها الاحتمالات إلى ممكنات.
هل هناك ما يشير، اليوم، إلى وقائع، يعني تحققها انتقال التحالف بين إيران وإسرائيل من احتمال إلى واقع، تغذيه استراتيجيات الدولتين، القائمة على العداء للعرب والعمل للسيطرة عليهم، بإبقائهم متفرقين ومتخلفين، في مرحلة ما قبل أموية، لا يراكمون ما يكفي من تقدم للخروج من مأزق تاريخي يعيشونه منذ عشرة قرون؟
تقول الوقائع إن وضع العرب كان قبل ثورة إيران المسماة إسلامية أحسن بكثير منه اليوم، وهذه لعبت دورا خطيراً في إخراجهم من مشروع قومي، أسهمت في تعثره، إلى زمن مذهبي/ طائفي تشتيتي ومدمر، مكّن طهران من اختراق مجتمعاتهم، والتسلل إلى بلدانهم، لغزوها من الداخل والسيطرة عليها بقوة السلاح، كما حدث، أمس، في لبنان والعراق وسورية، ويحدث اليوم في اليمن.
وكان قيام إسرائيل قد سرّع تخلق الزمن القومي، وأقنع العرب بضرورة أن يكون لهم مشروع عابر لدولهم المحلية، المتخلفة والضعيفة التي كانت تمر في أطوار انتقالية، تمسك بمعظم مفاتيحها قوى خارجية معادية للنهوض العربي، لما كان سيترتب على نهوضهم وتوحدهم من تحولات في النظام الدولي، ومن مخاطر على شطره الرأسمالي. منذ قيامها، كانت إسرائيل تشعر بالعجز عن ترويض جوارها العربي، والسيطرة عليهم، ولم تفض انتصاراتها المتكررة عليه إلى جعل وجودها في القلب منه أمراً نهائياً ومسلماً به، في حين ركبها ذعر دائم من قدرة العرب على تحمل هزائمهم التي بدا، لوهلةٍ، أنها تشحذ روح التحدي لديهم، مع ما تحمله من مخاطر عليها.
يلتقي الطرفان، الإيراني والصهيوني، على موقف من العرب، يعتبرانه مصلحة وجودية ومشتركة تتخطى السياسة، ويلتقي الطرفان على استراتيجيات تبقي الجوار العربي ممزقاً متخلفاً، وأسير فوضى تشل طاقاته، وتحول بينه وبين الانتقال من التخلف إلى الحداثة، بما سيمثله من تغيير جذري في علاقات القوى بينه وبينهما، وسيفرضه من إعادة نظر في حساباتهما التي ستقوم على انزواء إيران داخل حدودها، وقبول إسرائيل بالحقوق الوطنية والتاريخية المشروعة لشعب فلسطين الذي لم تنجح في إخراجه من المعركة المستمرة منذ قرن وربع القرن.
التقى الطرفان، الإيراني والإسرائيلي، على العداء للعرب. ومع أن إيران بررت سياساتها تجاههم بعدائها إسرائيل، ورغبتها في تحرير فلسطين، فقد دفع ثمن هذه السياسات العرب وحدهم، نتيجة تحول معركة طهران ضدهم إلى جوهر سياساتها واستراتيجياتها، وإلى غزو يهدد استقلال دولهم ووحدة بلدانهم، لا مكان فيه لأي معركة ضد الصهيونية، الجهة التي ضربت قوى النهضة العربية في حرب يونيو/حزيران 1967، بتواطؤ مكشوف مع النظام السوري، وضغطت عليها بالاحتلال، إلى أن ركعت أمام أميركا، ومكّنت حليفتها اللاحقة، إيران، من المراهنة على ضعفهم وتخلف أوضاعهم وعجز حكوماتهم، لتعلن نفسها وصية على قضاياهم بصورة عامة، وقضية فلسطين بصورة خاصة، وتطرح عليهم مشكلات تتصل بهويتهم ومعتقداتهم، استخدمت خلالها المذهبية سلاحاً يفتك بهم، مع أنهم حملة الإسلام ومادته، كما قال سيدنا عمر بن الخطاب (ر)، ويجهز على أي دور قومي قد يمارسونه.
العربي الجديد _ وطن اف ام