من يستعرض مسيرة الثورة السورية يجد أن المكونات السياسية لم تلعب الدور، الذي كان منتظراً أن تنهض به، من أجل تقديم بديل للنظام، بل بدت عاجزة عن القيام بالمهام الصعبة، التي فرضها الوضع الجديد، ويعود السبب إلى أن هذه المكونات لم تكن على صلة عضوية بالثورة التي بدأت عفوية، ثم ركبت قطارها أحزاب وهيئات متعددة ومختلفة الأهداف والولاءات، على الرغم من أنها جميعها وضعت على لسانها شعار إسقاط النظام.
لم يطل الوقت حتى تبين أن أخطر مشكلات الثورة السورية هي عدم استقلالية قرارها، والذي تجلى في صورة أساسية، من خلال التمثيل السياسي الذي تم فرضه عليها من أطراف إقليمية ودولية، ولا تخفى على أحد التجاذبات الكبيرة التي حصلت داخل المجلس الوطني، ومن ثم الائتلاف الوطني، وكانت خلفيتها الرئيسية صراعات الأجندات الخارجية.
وفي ظل الوضع السياسي المزري، استمات النظام السوري من أجل ترميم شرعيته التي فقدها مع إطلاق أول رصاصة على المتظاهرين السلميين، كما تمكن التطرف الديني والفساد المالي من التسرب إلى الجسم العسكري للثورة، الذي بدأ بالتشكل، بفضل مجموعات عسكرية منشقة، كان هدفها الدفاع عن المدنيين من بطش النظام، قبل أن تبدأ بالظهور ظواهر أمراء الحرب والدكاكين الممولة من جهات خارجية ذات أهداف خاصة، لا علاقة لها بالثورة، ولا بسورية.
واللافت في الأمر أن الأطراف التي تصدرت المشهد السياسي، منذ تشكيل المجلس الوطني السوري، لم تقم بأية مراجعة سياسية، أو تكلف نفسها عناء تقديم جردة حساب لمن أعطت نفسها حق تمثيلهم، وما يلاحظه المرء أن الوضع يسير من انهيار إلى آخر، بينما يتصرف هؤلاء القيمون على إدارة الوضع السياسي، وكأن ذلك أمر طبيعي، فهم يلتقون في فنادق اسطنبول، ومن ثم ينفضون، ولا شيء يتغير في المضمون ولا حتى في الشكل.
والغريب أن هذه الكتل، على اختلافاتها السياسية، وعلى الرغم من نزاعاتها على المناصب والامتيازات، تبدو للناظر من الخارج كتلة واحدة يوحدها الفساد السياسي، والدليل على ذلك أن السوريين لم يشهدوا أية محاولة لتصحيح الاختلالات، أو تحركات للحدّ من الضرر الذي لحق بالثورة من جراء حالة التردي التي تعيشها المؤسسات التمثيلية.
وحتى لا يصبح هذا الكلام نظرياً، ومن دون مناسبة، يجدر التوقف عند التطورات، التي حصلت في الأيام الأخيرة، وتركت آثارا سلبية، وكانت شرارتها الموقف الذي اتخذه لؤي حسين، آخر المنشقين عن النظام السوري. وقد ترقبت الأوساط أن يصدر “الائتلاف” توضيحاً يشرح فيه ظروف الالتقاء مع هذا الشخص، الذي بقي أربع سنوات يعتبر نفسه في صف النظام، وله مواقف معلنة في ذلك، وهو لا ينكرها.
ولهذا، حين طلب من رئيس الائتلاف، خالد خوجة، إزاحة علم الثورة السورية، في المؤتمر الصحافي المشترك، كان منسجما مع نفسه، وبقي في سياق مواقفه السابقة التي تنبذ الثورة، وتفضل عليها جانب النظام، وقد يجد بعضهم تفسيرا لذلك بالقول إن الائتلاف من خلال استقبال هذا الرجل إنما يلتقي مع ممثل عن تيار في الشارع السوري، لا يزال في صف النظام، والتبرير لذلك أن شروط الحل في سورية تقتضي تسوية من هذا القبيل.
ولكن هذه الخطوة تحتاج إلى موقف صريح من الائتلاف، في وقت تحقق فيه المعارضة المسلحة تقدماً على الأرض ويتراجع النظام. ولو أردنا أن نذهب بعيداً، ونفترض أن التسوية يجب أن تأخذ في الاعتبار جزءاً من النظام، فإن لؤي حسين ليس الشخص المناسب، ولا يمثل أحداً، ولذا كان استقباله سقطة جديدة من سقطات الائتلاف.
العربي الجديد _ وطن اف ام