يُقال أن السياسة هي فن الممكن ، ولعل الممكن نفسه في زمن الثورات يغدو مستحيلاً إذا غاب صوت العقل ، وتحكمت في الميدان آيادٍ هدفها إبعاد الشعوب عن مطالبها المحقة ، والذهاب بالثورة بعيداً نحو صراعات عرقية ومذهبية أو مناطقية أحياناً ، تخدم العدو ومشاريعه في إجهاض الحراك الشعبي ..
وعليه وبناءً على ماذُكر ، فبعد دروس تل أبيض الأخيرة يحق لنا كسوريين أن نتوقف عند مراحل صنع الفتنة الكردية – العربية ، الفتنة التي سعى إليها كثير من المتربصين بالثورة السورية ومستقبلها وخصوصا نظام الأسد وأدواته ..
ولكن بنفس الوقت نستحضر عبرة وطنية وإقليمية مضت وكان مفادها سؤال واحد ، كم كان أحمد الجربا ” رئيس الإئتلاف السابق ” محقاً في الأيام الماضية حين كان يزور أربيل بإستمرار ليجتمع بحكيم الكرد في هذا الزمان ” مسعود البارزاني ” ، إجتماعات كانت لها غايات ومضامين وبنفس الوقت كانت رسائل محبة ومودة وتاريخ مشترك بين أصحاب الأرض في المنطقة من عرب وكرد …
فما يجمعنا مع الأكراد أكثر بكثير مما يفرقنا ، ولهذا حرص الزعيمان وقتها على تداول وتناول كل صغيرة وكبيرة في الشأن السوري ، لأن طبائع السياسة عند أولي العقل والمسؤولية تفرض دوماً حلول التجمع والحوار والتشارك في الإنتصار ..
وإذا كان الكردي السوري يعيش حتى اليوم آلام العهد الأسدي البائد وعذابات السنين الطوال من الذل والمهانة والحرمان ، فمن المؤكد أن الأسد الأب والأسد الإبن هم صناع تلك المآسي وليس الشعب السوري …
ومن المعروف أيضاً أن الحلول الجذرية للقضية الكردية السورية مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بزوال الأسد ونظامه ، ولهذا كان أحمد الجربا عراباً لدخول المجلس الوطني الكردي إلى الإئتلاف حين كان يرأسه ودفع من أجل تلك المعركة ثمناً باهظاً لحلفائه الإئتلافيين فضلاً عن خصومه في تلك المرحلة ، وإذا كان هذا حاله مع الوطني الكردي فتصرفه مع الـ ” PYD ” كان أكثر وضوحاً حين اصر على حضورهم مؤتمري القاهرة ليسمعوا ويناقشوا شركائهم في الوطن مختلف القضايا والهواجس ..
وهذا كله يعطينا مؤشراً عاماً على ضرورة هذا النهج ، وأن السياسة يديرها العقلاء والأوطان تُبنى بذهنية الشركاء ، وليس بالسير خلف أحقاد الحمقى والغوغاء ..
عبدالجليل السعيد – وطن اف ام