في الوقت الذي يواصل فيه رئيس الوزراء التركي المكلف أحمد داوود أوغلو مشاوراته مع قادة أحزاب المعارضة بهدف تشكيل حكومة ائتلافية، قامت امرأة انتحارية بتفجير إرهابي في بلدة سروج الحدودية، في 20 تموز/يوليو 2015، أدى إلى مقتل نحو 32 شاباً وشابة وجرح العشرات غيرهم. وفي حين أجمع الحكم والمعارضة على إدانة هذا العمل الإرهابي، انتقدت الأحزاب المعارضة الحكومة بالاسترخاء في إجراءاتها الأمنية في مواجهة خطر تنظيم الدولة المعروف باسم «داعش». ومقابل اعتبار رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دمرتاش الهجوم الإرهابي موجهاً إلى التضامن مع كوباني، بدلالة المجموعة المستهدفة التي كانت في طريقها إلى البلدة السورية المنكوبة محملة بمساعدات إغاثية وألعاب للأطفال، اعتبرت الحكومة الهجوم موجهاً ضد تركيا، ودعا داوود أوغلو أحزاب المعارضة إلى التكاتف معاً ضد الإرهاب.
«لا يتعلق الأمر بإرهاب محض مجهول الفاعل» كتب جنكيز تشاندار يقول «بل بمنظمة إرهابية محددة هي داعش وفقاً لتقديرات رئيس الوزراء داوود أوغلو بالذات»… «فإذا قررت الدولة اعتبار داعش الخطر الأول على الدولة التركية، حقَّ للحكومة مطالبتنا بالتكاتف وراء سياستها في مواجهة الإرهاب». في حين أن مجلس الأمن القومي ما زال يعتبر ما يسميه بـ»البنية الموازية» (المقصود بها جماعة الخدمة التابعة للداعية الإسلامي المعتدل فتح الله غولن) هو الخطر رقم واحد، وما زال حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا (PYD) يعتبر أشد خطراً من داعش، وفقاً لتصريحات أردوغان وداوود أوغلو. وينهي تشاندار كلامه بالدعوة إلى مراجعة شاملة لسياسة تركيا إزاء المسألة السورية، الأمر الذي يشاركه فيه قسم كبير من الرأي العام في تركيا. أما المحلل السياسي مراد يتكين فهو يلاحظ أن الحكومة بدأت فعلاً بهذه المراجعة بدلالة مضيها التدريجي نحو التصلب مع داعش، بصورة متوازية مع المباحثات الجارية مع الأمريكيين، منذ بعض الوقت، فيبكر مبنى وزارة الخارجية في أنقرة، وظهور مؤشرات ملموسة على بداية التقارب بين الجانبين بصدد الحرب الدولية على داعش، منها إطلاق حملة اعتقالات واسعة في عدة مدن تركية بحق خلايا نائمة للمنظمة، ومنها إصدار هيئة أركان الجيش بيانات عدة بصدد إلقاء القبض على جهاديين أجانب كانوا بصدد عبور الحدود إلى الداخل السوري.
آخر تلك البيانات صدر قبل أيام قليلة من مجزرة سروج وتحدث عن إلقاء القبض على أكثر من خمسمئة جهادي، من جنسيات متعددة، قبل عبورهم الحدود التركية – السورية. ترى هل كان هجوم سروج هو الرد العملي على هذا التغير في السياسة التركية بشأن داعش؟ علماً بأن الأخير لم يتبنَّ العملية رسمياً إلى اليوم، وإن كانت تقديرات معظم المراقبين، بما في ذلك الحكومة التركية، تذهب هذا المذهب.
لكن بعض الصحف التركية وضعت عملية سروج في سياق اعتداءات أخرى سبقتها، نذكر منها تفجير قنبلتين في اجتماع انتخابي كبير لحزب الشعوب الديمقراطي جرى في الخامس من حزيران (أي قبل الانتخابات العامة بيومين) في مدينة دياربكر، واشتباك جرى في ريف مدينة «نيدة» بين جهاديين من جنسيات مختلفة والشرطة المحلية في آذار/مارس 2014، واعتداءان بالقنابل على مقري حزب الشعوب الديمقراطي في كل من أضنة ومرسين في شهر أيار/مايو 2015، واعتداء بالقنابل على مخفر للشرطة في ساحة السلطان أحمد في قلب اسطنبول في كانون الثاني/يناير 2015.
وعلى رغم معرفة الشرطة لهويات عدد من منفذي تلك الهجمات، وإلقائها القبض على آخرين، انتهت التحقيقات بحدود المنفذين المباشرين، واعتبر كل اعتداء قضية مستقلة بذاتها أمام القضاء، فلم تتم ملاحقة امتداداتهم وشبكاتهم المحتملة. أما الاعتداء الأول الذي تم في بلدة الريحانية الحدودية، في أيار/مايو 2013، بتفجير سيارتين مفخختين، وبلغ عدد ضحاياه خمسين قتيلاً وعشرات الجرحى، فقد اتهمت الحكومة، حينها، الاستخبارات السورية بتدبيره، ثم تم التكتم على التحقيقات، في حين تسربت إلى وسائل الإعلام، لاحقاً، معلومات تشير إلى تنظيم الدولة الذي كان وقتها حديث النشأة في سوريا.
الخلاصة هي أن المعارضة العلمانية والكردية، وكذا بعض الصحافة، تتهم السلطات الأمنية بالتهاون مع المجموعات الجهادية، وبالدعم الصريح لبعضها كأحرار الشام، بذريعة أنها تقاتل نظام الأسد وتعمل على الإطاحة به. وإذ فشلت توقعات الحكومة بسقوط النظام خلال بضعة أشهر من عام 2011، ولم تلق نداءاتها لإقامة مناطق حظر جوي لحماية المدنيين والجيش الحر آذاناً صاغية في واشنطن، وتراجع وزن المعارضة العلمانية والجيش الحر مقابل ازدياد وزن المنظمات الجهادية الإسلامية، وفشلت الجهود الدولية للوصول إلى حل سياسي يستبعد رأس النظام من أي ترتيبات لمستقبل سوريا.. فكل ذلك يعني فشل السياسة السورية لحكومات العدالة والتنمية منذ العام 2011، الأمر الذي يستدعي مراجعة تلك السياسة وخاصةً بعدما تحول «داعش» إلى «دولة» تسيطر على مناطق شاسعة ومتصلة بين العراق وسوريا، ومجاورة لحدود تركيا في بعض المناطق.
وتتقاطع هذه المراجعة المطلوبة، وفقاً للرأي المعارض هذا، مع ضرورة استئناف عملية الحل السياسي للمسألة الكردية في تركيا، بما يزيل الاحتقان الموجود بين كرد تركيا والحكومة، بالتوازي مع فتح صفحة جديدة مع الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، من شأنها أيضاً إبعاده عن نظام دمشق وتقريبه من المعارضة السورية غير الإسلامية.
لكن أداء الحكومة كان بعيداً عن هذه التوقعات الوردية، سواء إبان معركة كوباني أو معركة تل أبيض. فهل التغيير الذي بدأ، وفقاً لمراد يتكين، بتقليص مساحة الخلافات مع واشنطن، سيؤدي إلى انخراط تركي أكثر فعالية في الحرب على داعش، من جهة أولى، وتقارباً صريحاً مع الفاعل الكردي في الداخل وفي سوريا، من جهة ثانية؟ وهل ينعكس تغيير مماثل على الإسراع في تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري، وبدعم حزب الشعوب الديمقراطي من خارجها؟ الأيام والأسابيع القليلة القادمة ستجيب على هذه الأسئلة.
المصدر : القدس العربي