مقالات

هشام منور – كيف أفضى اتفاق إيران النووي إلى رفع غطاء موسكو عن الأسد؟!

جاءت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول بوادر تغيير في الموقف الروسي من الأسد في دمشق خارج نظاق السياق وبدا بداية من الصعب “هضمهما” على الرغم من كونه قد التقى بوتين قبلها بأسبوع في أذربيجان، وبحثًا معمقًا في الأزمة السورية كما قال الرجلان.

أردوغان كان أول من “بشّر” بأن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يتجه إلى “التخلي” ‏عن بشار الأسد، في أقوال نقلتها الصحف التركية. أردوغان كشف أن بوتين “لم يعد يشاطر ‏الرأي القائل بأن بلاده ستقف إلى جانب سورية حتى النهاية”، مضيفًا “أعتقد أنه يتجه إلى التخلي عن الأسد”.

لقد خطت روسيا أول خطوة عملية ترجّح صحة توقعات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فبعد أن تكفل الفيتو الروسي بحمايته من أي إجراء دولي ضده طوال سنوات ‏الثورة السورية، فوجئ العالم بموافقة روسيا على مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن تم التصويت عليه بالإجماع، يفتح المجال أمام محاسبة المسؤولين عن استخدام السموم الكيماوية في سورية.

الإعلان عن موافقة روسيةٍ على مشروع القرار الأممي، جاء بعد لقاء ضم وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، مع نظيره ‏الأميركي، جون كيري، على هامش اجتماعات وزراء الخارجية في دول منظمة “آسيان” بماليزيا.

وصف العديد من المراقبين الموافقة الروسية على مشروع قرار المحاسبة، بأنه تغيير “جوهري” في الموقف الروسي، قد يقود في ‏نهاية المطاف إلى محاكمة بشار الأسد ذاته. في المقابل، قلّل آخرون من شأن الموقف الروسي، معتبرين أنّ الآلية المقترحة في ‏مشروع القرار، قد تسمح بتحديد هويات متورطين صغار، ولكن روسيا ستظل توفر الحماية للأسد، زاعمين أن موسكو واثقة من ‏أن الأسد قد تخلى نهائيًّا عن مخزونه الكيماوي. وفسّر هؤلاء الموافقة الروسية على أنّها لم تتم إلا بعد تلقي وزير الخارجية ‏الروسي ضمانات من نظيره الأميركي، بأن يتم الاكتفاء بمحاسبة المسؤولين المباشرين، دون الحاجة لتصعيد الأمر إلى الأسد. ‏

بعض الخبراء المختصين يؤكدون أن الأسد ‏لم يعلن عن كل مخزونه من السلاح الكيماوي حينها، وربما يحتفظ بجزء منه في بعض المواقع المخصصة لذلك. وعليه، فإن تخلي الأسد عن السلاح الكيماوي قبل عامين، رفع عن كاهله العصا الأميركية التي كانت تهدده بضربة ‏عسكرية، في حين أن عودته لاستعمال السلاح ذاته رفعت عنه الحماية الروسية.‏

تشير التحليلات إلى احتمال وجود صفقة روسية أميركية، تتعلق بتسوية في سورية تضمن بقاء النظام ورحيل ‏الأسد، وفقًا لما كان يتردد سابقًا، في حين ارتفع سقف توقعات أخرى، بالقول إن قطار التغيير في سورية، سوف يكون جذريًّا بقيادة ‏عربية.

في الأثناء، يتواصل المسؤولون الروس مع جميع الأفرقاء في المنطقة حاليًّا، ويعززون تواصلهم مع المعارضة السورية، ويعمّقون علاقتهم بالسعودية، بموازاة تكثيف اللقاءات الأميركية – الروسية، عبر وزيري خارجية البلدين جون كيري وسيرغي لافروف، من أجل التباحث في الوصول إلى حلّ لأزمات المنطقة.

التحركات الروسية تعمل حاليّصا على خطين متوازيين، الأول يقوده نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، الذي عقد سلسلة اجتماعات مع المعارضة السورية في موسكو وبعيدًا عن الإعلام. إذ طلب بوغدانوف خلال هذه اللقاءات، العمل على إعداد ورقة سياسية مشتركة، تكون مقدمة لتوحيد هذه الفصائل خلف رؤية سياسية لمستقبل سورية.

أما الخط الثاني، فهو حراك روسي – إيراني – أميركي، وعلى ما يبدو أن الروس اتخذوا خيارًا بإزاحة بشار الأسد من السلطة، لأسباب تتعلق بالمصالح الروسية الإستراتيجية، خصوصًا أن إيران بعد رفع العقوبات الدولية عليها تتطلع إلى تصدير الغاز إلى أوروبا، وذلك عبر وصل أنبوب لنقل الغاز، يمتد من إيران، عبر العراق وسورية إلى تركيا، مما يشكل منافسة فعلية للغاز الروسي، وبالتالي لم يعد يناسب الروس، وجود نظام في سورية يخضع لإملاءات ملالي طهران، على غرار النظام العراقي.

تتجه روسيا نحو إنجاز إتفاق مع المملكة العربية السعودية، لتغيير نظام بشار الأسد، بما يقلّص نفوذ إيران في سورية، لصالح النفوذ الروسي – السعودي، مع الحفاظ على النظام القائم ووضع ملامح المرحلة الانتقالية. وهنا يبدو جزء من الاتفاق الذي حصل بين موسكو وواشنطن حول سورية، وبدت أول مظاهرة فيما أقر في مجلس الأمن الدولي، حول استخدام السلاح الكيماوي في سورية، وهذا يعني تحولاً في الموقف الروسي داخل مجلس الأمن، الذي كان رافضًا في السابق أي بحث في الموضوع السوري وكان يعارض إصدار أي قرار.

تدرك موسكو عميقًا أن الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب قد يعزز من نفوذ طهران في المنطقة العربية ولا سيما في كل من العراق وسورية ومنطقة الخليج، ما يعني أن حاجة طهران لدعم موسكو على الصعيد الدولي سائر إلى الاضمحلال، وهي ترى أن من حقها الآن ضمان مصالحها الإستراتيجية مع دول المنطقة بعد أن تخلت طهران عن تحالفها الإستراتيجي مع موسكو ووقعت منفردة الاتفاق النووي مع الغرب متجاهلة الحصار الغربي المفروض على حليفها روسيا، وعليه فإن خطوة موسكو بدعوة الائتلاف السوري وقرار مجلس الأمن الأخير حول محاسبة مستخدمي الأسلحة النووية، كلها مؤشرات سوف تتزايد مستقبلاً على رفع الغطاء الروسي عن الأسد، وربما كامل نظامه، فيما لو رفض الأخير التعاون مع روسيا للحفاظ على مصالحها في المنطقة وسورية تحديدًا، وما كلمة علي مملوك الأخير في الاجتماع الثلاثي (الروسي السعودي السوري) في جدة: “ماذا نفعل مع إيران وحزب الله”؟ عندما طلب منه الجانب السعودي وقف المساعدات والتدخل الإيراني مقابل وقف دعم المعارضة السورية، سوى تعبير عن مدى ارتهان النظام في دمشق لقرار ملالي طهران، وهو ما أدركه الروس أخيرًا واستشعروا خطره على نفوذهم!.

المصدر : هافيغنتون بوست عربي 

زر الذهاب إلى الأعلى