يقف المرء حائرا أمام المجازر المروعة التي يرتكبها نظام الأسد بحق السوريين، بكل دم بارد، ومن دون خوف أو وجل من مساءلة أو حساب، ثم يتساءل كيف يمكن لمجتمع دولي يدعي الحضارة والمدنية والدفاع عن حقوق الإنسان أن يسمح بحدوث مجازر كهذه بحق البشر والشجر والحجر.
لو سألت أي سوري، اليوم، عن سبب استمرار الأسد بجرائمه، لقال إنه التخاذل العربي والتآمر الدولي الإقليمي، فقد وصل الجميع إلى هذه القناعة التي رسختها تجربة أكثر من أربع سنين، هي عمر الثورة السورية التي تحولت حرب وجود، بالنسبة لشريحة كبيرة من السوريين، وهو ما يمكن أن يدفع إلى مزيد من التفاف شرائح كبيرة حول التنظيمات الجهادية، خصوصاً مع السيطرة الدولية على قرار فصائل كثيرة، تصنف معتدلة.
تحولت الحرب في سورية إلى مذبحة مفتوحة، لا قوانين لها ولا ضوابط إنسانية أو اخلاقية، بطلها نظام استمرأ القتل والتدمير وانتهاك الحرمات، حتى باتت حدثا يومياً وشأناً ليس ذا بال، لا يثير أدنى شعور بالقلق لدى القاتل الذي يقتل بدم بارد، غير آبه بأرواح العشرات، بل مئات يتم إزهاقها كل يوم.
كانت هناك قناعة راسخة لدى الغرب، بأن سقوط نظام الأسد يشكل تهديداً لأمن الكيان الصهيوني، خصوصاً في ظل واقع جعل من المستحيل إيجاد بديل عن نظام الأسد، ويمكن الوثوق به، ويستطيع ضمان هذا الأمن المزعوم، فالمعارضة مشرذمة، وفشلت في أن تكون ممثلة لثورة فجرها شعب طامح للحرية والحياة الكريمة، ودفع ثمنها أنهاراً من الدماء.
لو أردنا أن نشخص الحالة التي جعلت من نظام الأسد مجرد أداة قتل، لقلنا إنه ما كان في وسع الأسد أن يتغول بهذا الشكل المرعب، لولا الضوء الأخضر الذي حصل عليه من الغرب من جهة، والدعم المالي والعسكري والسياسي اللامحدود من جهة أخرى، حيث لم يقتصر الأمر على الدعم الإيراني والروسي، بل تعداه إلى الدعم المادي والسياسي، حتى من بعض العرب الخائفين من وصول الثورات إلى دولهم.
الولايات المتحدة هي المسؤول الأول عن المذبحة المفتوحة التي يتعرض لها الشعب السوري، فهي قائدة العالم والقوة المتنفذة فيه، وتفرض سياساتها على الآخرين، لكنها، وفي الحالة السورية، كانت على توافق مع حلفائها على ضرورة حماية نظام الأسد من السقوط، وهو ما تقاطع مع السياسة الروسية التي تعتبر الداعم الأكبر لهذا النظام المجرم.
استطاع الأسد أن يدمر سورية، وأن يهجر أهلها في سياسة ممنهجة، سمحت له حتى بتغيير البنية الديموغرافية لبعض المناطق، ما شجع إيران على المطلبة بترحيل سكان بعض المناطق السنية، كوادي بردى، واستقدام سكان شيعة سوريين وغير سوريين، بدلا عنهم.
مسؤولية الولايات المتحدة، والمجتمع الدولي عموماً، وبعض الأنظمة العربية خصوصاً، تجلت في عدة أمور منها: عدم مساعدة السوريين في إسقاط نظام الأسد المجرم، بل على العكس منعتهم من ذلك. عدم السماح للجيش الحر بالحصول على السلاح الذي يمكنهم أن يدافعوا به عن أنفسهم. عدم السماح للجيش الحر بالحصول على مضادات طيران، تستطيع تحجيم القدرة الجوية للأسد. عدم فرض مناطق آمنة تقي المدنيين شر براميل الأسد وصواريخه. السماح لإيران وميليشياتها الطائفية بحرية التدخل والقتال حماية للأسد.
الاستناد إلى شماعة مكافحة الإرهاب، ووجود جماعات متطرفة، ما كانت لتوجد أصلاً، لو تم إسقاط نظام الأسد أو تم وضع حد لإجرامه، ولو تاملنا في الأمر قليلاً، لوجدنا أنهم من سمحوا بنشوء الجماعات الجهادية، وترك لها حرية العمل في سورية، وصولا إلى جعلها سببا في عدم تدخلهم، أو حتى سماحهم بإسقاط نظام الأسد، وبالتالي شيطنة الثورة وتشويه صورتها واختزالها بجماعات إسلامية، وإرهاب سيكون البديل في حال سقط نظام الأسد.
وبهذا، فإن الدول المتحكمة بالملف السوري، وبحجة حماية الأمن الإقليمي والعالمي ومكافحة الإرهاب، تكون قد منعت الشعب السوري من الدفاع عن نفسه، فلا هي قامت بحمايته، ولا هي سمحت له بالحصول على ما يستطيع أن يحمي به نفسه، بل على العكس منحت نظام الأسد الغطاء والشرعية، والوقت اللازم لإنجاز أكبر مذبحة، قام بها نظام حكم بحق شعب.
المصدر : العربي الجديد