تصريحات الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند أمس، حول مسؤولية تنظيم «الدولة الإسلامية» في التسبب بلجوء ملايين السوريين والتي عطفها على «ضرورة رحيل الأسد في مرحلة من المراحل»، لا تختلف، عملياً، عن تصريحات سبقتها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكن مع قافية جديدة ـ قديمة عن «قبول الأسد اقتسام السلطة مع معارضة بناءة».
هذا التشابه في التصريحات يعبّر في الحقيقة عن موقف جديد غربيّ معلن وجد سنداً جديداً له في تصريح وزير الخارجية النمساوي أمس الثلاثاء إنه يجب على الغرب ضم الرئيس السوري بشار الأسد «وحليفتيه إيران وروسيا» من أجل قتال تنظيم «الدولة الإسلامية»، ثم تصريح وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل غارسيا مارغايو الذي دعا إلى «التفاوض» مع الرئيس السوري على «وقف لإطلاق النار «.
توازت هذه التصريحات الأوروبية الجديدة مع إجراءات وإعلانات عسكرية تمثلت بمشاركة بريطانيا في قصف تنظيم «الدولة» في سوريا ضمن الحملة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك إعلان فرنسا أيضاً عن المساهمة فيها، وإذا أضفنا إلى ذلك المعلومات عن تواجد متزايد للجيش الروسي في سوريا ومساهمته في غارات النظام السوري الجويّة، وما ذكر عن تنسيق للطلعات الجوية الروسية بحيث لا تتعرّض رادارات إسرائيل أو دفاعاتها الجوّية لهذه الطلعات، نكون قد أفقنا على مشهد عسكري وسياسي جديد لا سابق له.
يقوم مركز هذه «الفزعة» للأقطاب الدولية والإقليمية ضد «الدولة الإسلامية»، كما عبّرت عنها التصريحات الأوروبية الجديدة، على مفهومين مترابطين بالضرورة:
الأول: هو اعتبار «الدولة الإسلامية» الخطر الأساسي سورياً وعربياً وعالمياً، والثاني، بالتالي، هو اعتبار نظام الأسد، حليفاً موضوعياً يمكن «التفاوض» معه «على إطلاق النار»، كما تقول إسبانيا، أو «ضمه» (مع حليفتيه إيران وروسيا أيضاً) إلى التحالف الدولي ضد التنظيم.
يستند هذان المفهومان على أساس شديد الركاكة والهشاشة، ولكن نتائجه ستكون بمنتهى الخطورة على سوريا وعلى العالم.
إن اعتبار «الدولة الإسلامية» الخطر الأول على سوريا والعالم لا يستقيم بمنطق الأرقام قبل السياسة، فمجازر التنظيم الإرهابي لا يمكن مقارنتها أبداً بآلة القتل اليومية الهائلة للنظام والمستمرة منذ خمس سنوات، كما أنه خضوع لأكذوبة بدأ النظام استخدامها مع انطلاق الثورة المدنية وساوى فيها نضال السوريين المدني والديمقراطي بالإرهاب الذي عمل النظام حثيثاً على تصنيعه بكل الطرق الممكنة، بدءاً من إخراج السجناء المتطرفين والخطرين المحسوبين على تنظيم «القاعدة» الذين استخدمهم سابقاً في العراق، وصولا إلى خلق كل الظروف المناسبة لصعود التطرف.
يستخدم الغرب بذلك خطاباً يقوم على التعمية على القاتل الحقيقي المسؤول ليس عن هذا التدمير الممنهج لسوريا الذي أدى لمقتل مئات الآلاف من أهلها وتهجير أكثر من نصف السكان، بل المسؤول أيضا عن توفير البيئة اللازمة لظهور «الدولة الإسلامية» باعتبارها الشمّاعة المنقذة التي ستخلّص النظام من مسؤوليته عن جرائمه.
والحقيقة التي يجب أن تقال أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الغربيين شاركوا في هذا الأمر مشاركة كافية لتجريمهم هم أيضاً، وتتمثل مشاركتهم، بداية، في قبول «العالم المتحضر» للجرائم ضد الإنسانية التي قام بها النظام حين قصف البيئات الحاضنة للثورة والمدن والأرياف المشاركة في المظاهرات بكافة الأسلحة الثقيلة وصولاً إلى الصواريخ والأسلحة الكيميائية، وتتمثل ثانيا في فيتو واشنطن المستمر على أي مشروع لإقامة مناطق آمنة للسوريين تحميهم من وحشية النظام، وهو ما قاد عملياً إلى تفريغ المناطق المعارضة من سكانها وتدميرها وخلق أزمة اللجوء قبل ظهور «داعش» بكثير، والى استهداف عناصر المقاومة السلمية والمدنية بالقتل والسجن والتهجير، والى استخدام الميليشيات الطائفية من لبنان والعراق، مما أدى في النهاية لتنامي التطرّف الذي سمح لتنظيم «الدولة الإسلامية» وشقيقاته بالتمدد من العراق وبالنمو في سوريا.
يكشف انتقال الأطروحات الروسية المتكررة حول ضرورة بقاء الأسد، ومساهمته في «الحرب على الإرهاب» إلى الغرب (بعد تمويهها قليلاً بماء الدجل) عن قبول ضمنيّ أمريكي (وإسرائيلي) لهذه الطروحات.
ما يمكن استنتاجه من كل ذلك هو أن الأجندتين الأمريكية والروسية في سوريا تقاربتا أكثر مما نتصوّر، والمشكلة أن هذه الوصفة: قصف أمريكي – غربي لـ»الدولة الإسلامية»، ومشاركة روسية في دحر خصوم الأسد، لن تفعل غير إعادة «بعث» الحياة في نظام تتشارك على اقتسامه موسكو وطهران.
… وأثناء ذلك يستمر افتراس الشعب السوري.
المصدر : القدس العربي