مقالات

ماجد عبد الهادي – حذارِ من تعويم الديكتاتور

منذ بدأت المجر بافتعال ما افتعلت من توتر، في تعاملها مع مأساة اللاجئين، قبل نحو أسبوع، صار طبيعياً أن تتجه أنظار العالم كله إلى آلاف الأطفال والنساء والرجال، المحشورين في محطة قطارات عاصمتها بودابست، وأن تتزايد التساؤلات عن سر موقفها المريب الذي لا يمنح هؤلاء حق اللجوء، ولا يفسح أمامهم الطريق، على غرار ما تفعل اليونان ومقدونيا وصربيا، لكي يعبروا نحو تحقيق أحلام الأمن والحياة الكريمة، في بلدان شمال أوروبا وغربها. 

 
وما هي إلا أيام قليلة مرت على مشهد المعاناة الإنسانية يحتل صدارة صحف الغرب، وشاشاته التلفزيونية، حتى توارت، تقريباً، الأسئلة السياسية المباشرة، والعميقة عن أسباب هذه الأزمة، وأبعادها، ومسؤولية المجتمع الدولي عنها، وراء الأسئلة الأخلاقية الناشئة عن حقيقة موقف أوروبا من حقوق الإنسان. 
 
في لحظة تاريخية كهذه، لم يكن أمام الدولة الأوروبية الأقوى، أي ألمانيا، سوى أن تتقدم لتنقذ الموقف، فأعلنت استثناء اللاجئين السوريين من التزام أحد أهم شروط اتفاقية دبلن التي تنظم عمليات اللجوء، وهو شرط أخذ بصمات اللاجئين في أول بلد يصلون إليه، داخل الاتحاد الأوروبي، فنزعت بذلك ذريعة التعنت المجري، ثم فتحت حدودها، ومعها النمسا، أمام تدفق موجات بشرية هائلة، وسط ترحيب ملايين من مواطنيها، ومواطني القارة المأخوذين، قلوباً، بصور المعاناة الإنسانية، ناهيك عما أثارته حركة الإنقاذ هذه من مشاعر امتنان في نفوس السوريين، بلغت حد رفع صور المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في شوارع بعض مدنهم، وتسميتها “الحاجة ميركل أميرة المؤمنين”.
 
سيناريو الحكاية الواقعية، ولا أقول المؤامرة، سيبلغ ذروته الدرامية، سريعاً، بالعثور على جثة طفل سوري غريق، يدعى عيلان الكري، ملقاة على شاطئ مدينة بودروم التركية. ومع نشر الصورة التي تخفي وجه ولد في سن الثالثة، يناطح الموج بهامته، ويدير نعلي حذائه الصغير إلى العالم، سيهتز ضمير الإنسانية، كما لم يهتز، منذ عقود، وستفعل عقدة الذنب فعلها في نفوس أبناء القارة التي أغلقت أبوابها في وجوه اللاجئين، وتركتهم نهباً لغدر البحار الهائجة، وجشع عصابات الاتجار بمعاناة البشر.
 
هنا، ستنشغل الكاميرات، والأقلام، والمنابر العالمية، عموماً، بصورة عيلان، وستسترسل في مقارنتها مع صورتي الفلسطيني محمد الدرة والفيتنامية كيم فوك، بينما ستغيب عن العيون والأذهان، إلا في ما ندر، صور آلات إنتاج المأساة، وهي آلات يديرها أساساً الرئيس السوري، بشار الأسد، بالتعاون مع إيران، ولم تتوقف، لحظة، عن إبادة مواطنيه، وتشريدهم في أصقاع الأرض، منذ أربع سنين ونيف.
 
لكن الحلقة الأخطر، في ما صار يمكن تسميته مسلسل الجريمة والغفران، شاهدناها، أخيراً، حين قفز قادة ومسؤولون أوروبيون كبار أمام الكاميرات المصوبة نحو الطفل الأيقونة، ليبشروا العالم، باكتشافهم كيفية حل العقدة السورية؛ لا بد من التحالف مع الأسد وإيران وروسيا، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، قال وزير الخارجية النمساوي، من طهران. ومثل قوله تقريباً، قال نظيره الإسباني، بعدما كان الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، قد استهل التغيير في الموقف الأوروبي، بالتلميح إلى إمكانية التخلي عن شرط تنحي الرئيس السوري، قبل بدء ما يسمى الحل السياسي الانتقالي.
 
هل يحاول قادة أوروبا، والحال هذه، أن يستخدموا غربال إنسانيتهم، لتغطية تواطؤهم مع الدكتاتور، بل لإعادة تعويمه، بذريعة وقف تدفق اللاجئين السوريين، وحمايتهم من الغرق في البحار؟
 
قد يكون من الخطأ أن يقعد السوريون في انتظار الجواب، وربما يجدر بهم الحذر من خطوة كهذه، بإعلان رفضهم المسبق لها، ولا سيما أن مؤشرات أخرى لا تبشر بخير، أهمها ميوعة الرد الأميركي على أنباء تعزيز التدخل العسكري الروسي في سورية، إلى مستوى كان من الممكن التجرؤ على وصفه بالاستعمار، أو الانتداب، لولا أن ذلك وصف صارت إيران به أجدر.

المصدر : العربي الجديد 

زر الذهاب إلى الأعلى