مقالات

زاهد غول – لماذا فشل حزب الشعوب الديمقراطي سياسيا

أثبت نواب حزب الشعوب الديمقراطي فشلاً ذريعاً في أدائهم لمنصب نواب عن حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان التركي خلال الأشهر الماضية، فالحزب الذي فاز لأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية كحزب سياسي يدخل البرلمان ويتجاوز الحاجز الانتخابي 10%، وهو يمثل أبناء قومية معينة هم الأكراد في تركيا، فشل في دوره السياسي أمام الشعب التركي بكافة قومياته التركية والكردية وغيرها، وهذا الوصف بالكردي هو بحكم ان معظم اعضاء الحزب من الأكراد أولاً، وبحكم ان القضايا التي يتبناها الحزب هي قضايا الأكراد ثانيا، وبحكم أنه لم يتم الاعتراض على هذا الوصف لا من الجهات التركية الرسمية ولا من الأحزاب السياسية التركية، ولا من الأكراد انفسهم ثالثاً، وإن كان قانون الأحزاب السياسية التركي لا يسمح بتأسيس الأحزاب السياسية على أسس دينية ولا طائفية ولا قومية ولا اثنية ولا غيرها، فتأسس الأحزاب التركية على أسس دينية او قومية أو طائفية أو ما شابهها هي مخالفة للقانون والدستور التركي، ومع ذلك فقد سمح للحزب ان يشكل على أساس قومي أو شبه قومي، لأهداف تخص عملية السلام الداخلي، وتم فوز نوابه على أساس ذلك، ولكنهم فشلوا في أداء هذا الدور البرلماني في أكثر من مجال نذكر منها:

1 ـ الفشل الأول الذي وقع به نواب حزب الشعوب الديمقراطي أنهم منذ دخولهم البرلمان التركي تصرفوا وكأنهم ممثلين لقومياتهم وأبناء قوميتهم الكردية في البرلمان، ولم يتصرفوا كنواب للشعب التركي كله، فالنائب في مرحلة ترشيحه يمثل الدائرة التي تنتخبه، ولكنه بعد الفوز يعتبر نفسه نائبا للشعب كله، ويتبنى قضايا الوطن والشعب كله.

2 ـ الفشل الثاني، كان بامتناع نواب حزب الشعوب الديمقراطي عن ترديد النشيد الوطني التركي في جلسة الافتتاح الأولى حيث قام كل النواب بالقسم القانوني وتريدي النشيد الوطني بشكل جماعي، باستثناء نواب حزب الشعوب الديمقراطي الذي امتنعوا عن هذا افعل، فكان ذلك تصرفاً منافياً لمشاعر الوحدة الوطنية، والأخوة الإسلامية، وانكاراً لمشاعر الفرحة المشتركة التي كانت تعبر عن أجلى صور نجاح مشروع المصالحة الوطنية.

3 ـ الفشل الثالث، إنكار نوابه جميل حزب العدالة والتنمية عليهم، فحزب الشعوب الديمقراطي لم يكن ليتمكن بتشكيل هذا الحزب، ولا ترشيح أعضائه في الانتخابات البرلمانية، ولا القيام بالدعاية الانتخابية بكل حرية وباللغة الكردية، وعبر كافة وسائل الإعلام المحلية والعالمية إلا وهو يتمتع بقوانين الحزم الديمقراطية التي شرعها وطبقها حزب العدالة والتنمية وحكوماته المتعاقبة منذ عام 2001 وحتى عام 2014، وبالأخص بعد عام 2005 حيث تجشم رئيس الوزراء التركي ورئيس حزب الحرية والعدالة رجب طيب أردوغان تبني مهمة المصالحة الوطنية، بالرغم مما كانت تحمله من تحديات ومخاطر شخصية وسياسية، بل ومخاطر أمام المؤسسة العسكرية والقوميين المتشددين في تركيا.

4 ـ الفشل الرابع، عدم إدانتهم للعمليات الارهابية التي شنها حزب العمال الكردستاني ضد مؤسسات الدولة التركية العسكرية والمدنية، وبالأخص العمليات الارهابية التي وقعت بعد انتخابات 7حزيران، فالشعب التركي الذي فقد أبناءه وأخوته في هذه العمليات الارهابية كانت ينتظر الادانة المباشرة لهؤلاء النواب لكل العمليات الارهابية، وأن يسابقوا في المشاركة في جنائز شهداء الجيش والشعب التركي، وهو ما لم يقوموا به أيضاً.

5 ـ الفشل الخامس، عدم إدراكهم ان العمليات الارهابية لحزب العمال الكردستاني كانت تستهدفهم قبل غيرهم، لأن هدف قيادة قنديل التي تتحكم بقرار العمليات الإرهابية بل وبقرار حزب العمال الكردستاني، وأزاحت عبدالله اوجلان عن القيادة ، كانت تهدف إلى إفشال نتائج الانتخابات البرلمانية التركية التي جرت في 7/6/2015، لأنها أفرزت قيادة سياسية كردية من داخل الشعب التركي، وهي قيادة حزب الشعوب الديمقراطي، وهذا ما لا يقبل به قيادة قنديل، فهم يريدون أن تبقى قيادة الشعب الكردي بأيديهم فقط، ولذلك عملوا على إفشال عملية المصالحة الوطنية وإيقاف عملية السلام الداخلي، ولا يزالون يواصلون العمليات الإرهابية للقضاء على أي دور لحزب الشعوب الديمقراطي في الحياة السياسية التركية إلا المناكفة والإساءة إلى البرلمان التركي، والتشويش على عمل الحكومة التركية، فضلاً عن إساءتهم لمنصب رئيس الجمهورية السيد رجب طيب أردوغان، وشخصه وهو رمز الدولة والمنصب السياسي الأعلى في الجمهورية التركية، ويمثل هيبة واحترام الجمهورية التركية.

هذه بعض أخطاء نواب حزب الشعوب الديمقراطي وأسباب فشلهم في الأشهر الماضية، وهي أكثر من ذلك بكثير ، هذه الأخطاء يشعر بها كل أبناء الشعب التركي، ولذلك كانت ردود افعالهم واضحة بانها تدرك الأخطاء التي ارتكبها نواب حزب الشعوب الديمقراطي فهاجم بعضهم مقرات الحزب واحرقتها في الكثير من المدن التركية، لأنها أرادت ان تعبر عن موقفها في عدم رضاها عن نواب حزب الشعوب الديمقراطي، وعدم رضاها عن اداء هذا الحزب في الأشهر الماضية منذ الانتخابات الأخيرة، وردود الأفعال وإن لاقت منعاً من قوات الأمن التركية، وعدم موافقة سياسية ولا أمنية من الحكومة التركية، إلا أن لها دلالاتها في البنية الاجتماعية التركية، التي تأثرت بالعمليات الارهابية التي يشنها حزب العمال الكردستاني، ويؤيدها نواب حزب الشعوب الديمقراطي أو لا يستنكرونها على أقل تقدير، فالموقف الشعبي التركي دلالة واضحة على فشل حزب الشعوب الديمقراطي في ادائه السياسي، وفشله هذا سيؤدي إلى خيبة أمل كبيرة من مواصلة عملية السلام الداخلي في المستقبل أيضا.

لقد كان فوز النواب الثمانين من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي فرحة كبيرة للغالبية العظمى للشعب التركي، بفضل الارتياح الذي بثته خطوات المصالحة الوطنية من قبل الحكومة التركية ومن قبل زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، نزيل سجن إمرالي التركي منذ عام 1999، الذي أرسل رسائله التصالحية في عيد النيروز 2013 و2015 والتي حملت دعوات مصالحة ومسامحة حقيقية، وأظهرت حكمة راشدة من قيادة واعية على أن المصالحة الوطنية والدولة الديمقراطية هي الطريق الوحيد للحياة الآمنة والسلام في تركيا، فكان ينبغي اعتبار دخول البرلمان التركي بهذا العدد الكبير من النواب الأكراد بمثابة نجاح لحزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي، ولكل الشعب التركي المؤيد لعملية السلام من الأتراك والأكراد وغيرهم، ولكن الخطوات الأولى التي باشرها نواب حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان كانت صادمة لمشاعر المواطنين المؤيدين لعملية السلام، فقد دخل النواب البرلمان بلغة عدائية وتصريحات كراهية قومية، ومواقف معادية للحكومة، وهي الحكومة التي سهلت لهم النجاح في الانتخابات البرلمانية يوم 7حزيران/2015.

إن الأخطاء التي ارتكبها نواب حزب الشعوب الديمقراطي في الشهر الماضية ينبغي أن تكون درساً مهماً لهم ولحزبهم ولكل من أيديهم في الانتخابات الماضية، سواء كانوا من الأكراد أو الأتراك، فالحزب السياسي الممثل في البرلمان أو خارجه مطالب أن يرفض الإرهاب والقتل للمدنيين والعسكرين بصورة عشوائية، ولمجرد الضغط والابتزاز والارهاب، والحزب الذي لا يرفض الارهاب هو حزب ارهابي في نظر الشعب، وبالتالي سيعاقبه الشعب بمهاجمة مقراته وحرقها، وحتى لو قامت الأجهزة الأمنية بحمايتها ومنع العقوبة الشعبية وغير القانونية عنها، فإن الشعب سوف يعاقبهم في الانتخابات البرلمانية القادمة، ولن يصوت لها وقد خذلته في المرة الأولى.

إن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه حزب الشعوب الديمقراطي أنه ارتضى أنه يأخذ أوامره من جبال قنديل، وليس من اوساط الشعب الذي انتخبه، فالحزب عندما تقدم للانتخابات الماضية وعرض برامجه على الشعبي التركي وليس على الشعب الكردي، فقد كان يدرك أو يقوم بمناورة أو انه طلب منه ذلك أن يتبنى قضايا المجتمع التركي كله، وأن يكون خطابه للشعب التركي وليس للأكراد فقط، وبعد فوزه انقلب خطابه إلى أن يكون خطابا كردياً فقط، وليس خطابا كرديا فقط وإنما خطاب كردي مناكف للشعب التركي، قبل ان يكون مناكفا للبرلمان والحكومة التركية، فكيف يمكن لحزب سياسي أن يقع في مثل هذه الأخطاء؟ إلا إذا كان هناك من يأمره فيطيعه طاعة عمياء، وهو ما حصل مع حزب الشعوب الديمقراطية مع قيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، فكيف يقبل حزب سياسي تركي في ترخيصه، ومكانه وقانونه، ويعيش في تركيا، وأعضاؤه مواطنون أتراك لهم كامل الحقوق، كيف يقبل أن يتلقى أوامره من خارج تركيا ومن جبال قنديل وغيرها؟.

لقد أضاع قادة حزب الشعوب الديمقراطي ونوابه في البرلمان التركي وربما وزيراه الاثنين في الحكومة الانتخابية المؤقتة بوصلة العمل السياسي الصحيح، بسبب اعتمادهم على سياسة جبال قنديل الارهابية وأوامرهم التخريبية، والخطأ الآخر المؤكد أيضاً هو اعتماد قادة حزب الشعوب الديمقراطي على الاغراءات الأمريكية والأوروبية لهم، وذلك بالطلب منهم ان يكونوا معارضين وكارهين لرئيس الجمهورية أردوغان وللبرلمان التركي وللحكومة التركية، بل وضد المصالحة الوطنية، وان يعرقلوا مسيرة السلام الداخلي، فزيارات رئيس حزب الشعوب الديمقراطية لأوروبا واتصالاته الخارجية وتصريحاته هناك تفضح مواقفه، بالرغم من محاولته التراجع عنها بعد عودته إلى تركيا في كل مرة، بل إن ديمرطاش عند زيارته الأخيرة إلى أوروبا التقى مع زعماء التنظيمات الارهابية الكردية، وهم مصنفون على قوائم الشخصيات الارهابية في اللوائح الأوروبية نفسها، وفي ذلك مخالفة للقانون التركي واحكام القضاء في هذا الشأن.

هذه الزيارات إلى بعض الدول الاوروبية تطمع ديمرطاش أن يعاند الدولة التركية، وهو مجرد زعيم حزب سياسي صغير في تركيا، ولكن الأوروبيين يقومون باستقبال ديمرطاش وكانه رئيس وزراء أو رئيس جمهورية، وهذا الاهتمام الأوروبي المبالغ فيه، يحمل في طياته خدعاً كبيرة، ينبغي على ديمرطاش أن يتنبه لها، ولا تجعله يتكبر على الدولة التركية ولا على رئيس الجمهورية ولا الحكومة التركية، ولا يتكبر على الشعب التركي، فأوروبا تريد استخدام ديمرطاش وحزبه ونوابه أدوات سلبية في التنافس مع الدولة التركية في قوتها السياسية والاقتصادية والصناعية الواعدة، فهل يدرك الأكراد ان مصلحتهم في الدولة التي هم مواطنون كاملي الحقوق فيها، وليس مع الدول ولا العصابات التي تستخدمهم لأهداف تضر بالدولة التركية وشعبها.

خاص – وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى