في إطار الأسبوع المالي الأوروبي (Europe finance week) الذي استضافه منتدى فرانكفورت، وشارك في أعماله على مدى يومين أي 18 و19 تشرين الثاني الماضي وفد إيراني كبير ضم عدداً من رجال الأعمال وممثلي القطاعين الخاص والعام من بينهم حاكم البنك المركزي. وطبعاً تركّزت المحادثات والمناقشات على واقع التعاون الاقتصادي والمالي الممكن بعد رفع العقوبات وبعد شرح وافٍ للواقع الاقتصادي والمصرفي في إيران.
طبعاً ليس الهدف هنا الخوض في موضوع اقتصادي متشّعب لا نلمّ بتفاصيله المعقدّة. بل هو الإشارة إلى جانب سياسي قد يرتبط به التعاون الأوروبي – الإيراني بعد البدء في رفع العقوبات المتنوّعة. وهذا الجانب تحدّث عنه وزير خارجية الولاية التي تُعتبر فرانكفورت أهمّ مدينة فيها في خطاب ترحيبي ألقاه عند بدء أعمال “الأسبوع المالي الأوروبي”، إذ قال موجّهاً كلامه إلى الوفد الآتي من الشرق الأوسط: “إذا كنتم تريدون دخول أوروبا اقتصادياً فعليكم تسوية مشكلاتكم مع اسرائيل”. وهذا هو موقف أميركا أيضاً في شكل أو في آخر.
واللافت هنا، كما يقول بعض الذين حضروا “الأسبوع…” وشاركوا في أعماله، أن مشاركة الوفد الإيراني في المناقشات كانت كبيرة وعميقة وشاملة. لكن أحداً من أعضائه لم يعلّق بالسلب أو بالإيجاب على الإشارة السياسية في الخطاب الترحيبي.
ماذا يعني ذلك إيرانياً؟
لا يعني ابتعاد الوفد الإيراني عن الإشارة إلى إسرائيل “الممر الالزامي” للدخول الاقتصادي إلى أوروبا أو عن الردّ” عليها أنها تحظى بموافقته. فالسياسة ليست اختصاصه، والخوض في هذا الموضوع يُربك ويعطّل مساعيه الاستكشافية لإمكانات التعاون. فضلاً عن أنّه ليس وفداً سياسياً لكي يتولّى الرد خشية أن يُعتبر سكوته نوعاً من الموافقة الضمنيّة. وكل ما يستطيع أن يفعله، ولا بُد أن يكون فعله، هو إعلام السلطة السياسيّة في بلاده بهذا الأمر. علماً أنّه قد يكون بلّغها قبل عودته إلى طهران، سواء من خلال ديبلوماسيّين لها عاملين في ألمانيا أو عيون. لكن اللافت أن المحاثات مع أوروبا ودول كبرى أخرى وربما أميركا، حول التعاون الإقتصادي بعد استكمال تنفيذ الاتفاق النووي وبدء الرفع المرحلي للعقوبات، تجري بفاعلية ونشاط. لكن الشروط السياسيّة أو المواقف السياسيّة “المطلوب” أن تُرافقها لا يأتي أحد على ذكرها في وسائل الإعلام.
وذلك ليس أمراً خاطئاً لأن الموضوعات السياسيّة العالقة شائكة وفي مقدّمها إسرائيل، ولأن الوقت لم يحن بعد للخوض فيها رسميّاً وعلانيّة لأسباب عدّة قد يكون أبرزها أن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي (مع تشعّباته العربية) يُعد أولويّة عربيّة لا أولويّة أوروبيّة أو أميركيّة أو روسيّة أو صينيّة أو روسيّة عموماً. ذلك أن الحروب الأهليّة في سوريا واليمن والعراق وليبيا والحروب بالواسطة الدائرة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية بواسطة شعوب الدول المذكورة، فضلاً عن تحوّل الصراع الكبير الدائر في المنطقة مذهبيّاً يهدِّد بإشعال المنطقة كلّها ومعها العالم ربّما، وفضلاً عن الحرب الروسيّة – الأميركيّة الباردة، ذلك أن هذه الحروب كلها صارت هي الخطر المباشر على العالم لا حقوق شعب فلسطين ولا رفض اسرائيل “منحه” الحق الأدنى منها.
لهذا السبب، فإن اشتراط تسوية إيران مشكلتها مع إسرائيل لدخولها أوروبا لم يعد في محلّه. فمن جهة يتوالى اعتراف دول أوروبيّة بدولة فلسطين. ومن جهة ثانية تسوء علاقات دول أوروبيّة عدّة مع إسرائيل بسبب المستوطنات. ومن جهة ثالثة يبدو، ورغم المشكلات الكثيرة، أن أميركا قد يصير لها “حليف” شرق أوسطي تعتبره إسرائيل عدواً هو إيران أو دولة لها معها علاقات طبيعيّة. وهذا أمر لا يترك لإسرائيل حريّة واسعة في اتّخاذ المواقف. علماً أن التطوّر الإيجابي في العلاقة بين واشنطن وطهران لا يعني أبداً فقدان إسرائيل التأثير الكبير الذي كان لها أميركيّاً، بل يعني أنه بدأ يتقلّص، لكن انتهاءه لا يزال يحتاج إلى وقت طويل.
المصدر : النهار