قبل وصول تصريح ستافان دو ميستورا عن ان مفاوضات “جنيف – ٣” بين السوريين ستبدأ يوم ٢٩ الجمعة المقبل، تعمّد فلاديمير بوتين ان يضع رصاصة في رأس هذا المؤتمر وفي رأس مهمة هذا المبعوث الدولي الطويل البال الذي كان يلوّح بالاستقالة قبل يومين، لكنه على ما يبدو قرر ان يلاحق الفشل الى آخر خطوة… حرام!
في محاولة لامتصاص صدقية الخبر الذي نقلته “الفايننشال تايمس” عن ان بوتين أبلغ الأسد جدياً ان عليه ان يستعدّ للرحيل، ادّعى بوتين أمس ان “روسيا لا تنوي التدخّل في الشأن السياسي السوري… وان المهمة الرئيسية لموسكو هي مساعدة القيادة الشرعية لسوريا على القضاء على الارهابيين”… ملائكة الكرملين؟
طبعاً في هذا الكلام ما يدعو الى السخرية، فلا الجيش الروسي مجرد مرتزقة يساعد النظام السوري ويقيم المطارات ويوسّع المرافئ ويقصف الارهابيين والمعارضين وحتى المدنيين أحياناً، من دون هدف سياسي محدد، ولا موسكو هاوية عداوات مجانية مع تركيا وغير تركيا في المنطقة، ولا علاقة لها البتة بسياسة نظام الأسد الذي استجلب العالم تقريباً للقتال في سوريا معه وضده!
إذاً علينا ان نصدق ان “القدير” أرسل الرفيق بوتين من الفضاء الخارجي لمقاتلة الارهابيين مجاناً ومن أجل عيني الأسد فحسب، لكن هذا لن يغيّر حرفاً واحداً من صدقية رواية “الفايينشال تايمس” التي تعمدت قبل نشر الخبر ان تسأل وزارة الخارجية الروسية ثم وزارة الدفاع، فلم تحصل على جواب وقت كانت مصادرها تؤكد ان بوتين أوفد رئيس استخباراته السابق ايغور سيرغون ليبلغ الأسد ان عليه ان يستعد للرحيل!
لنتصور ان بوتين لم ينفِ هذا الخبر الصحيح، ماذا ستكون النتيجة على المحادثات في “جنيف – ٣”، وهل كان من المفترض ان تعقد في وقت يظنّ المعارضون مثلاً ان الأسد منهمك فعلاً بحزم حقائبه؟
ثم ان المرء يحتاج الى مقدار كبير من الحماقة ليصدّق ان حظوظ “جنيف – ٣” ستكون أفضل من حظوظ المؤتمرات السابقة، سواء كانت في جنيف أو في موسكو عينها، وفي هذا السياق يبدو ان محتوى القرار ٢٢٥٤ قد أُفرغ من مضمونه أكثر من مرة، فلا روسيا أو ايران أو النظام قبلت بوفد المعارضة الذي شكّل في الرياض، وهو ما دفع الى تمرير أسماء يفرضها الروس كوفد ثالث، مهمته تخريب المفاوضات بموافقة اميركية ضمنية واضحة.
والدليل ان جون كيري لحس كل ما قيل سابقاً عن المسألة الانتقالية، فالحديث الآن عن حكومة وحدة وطنية تبقى تحت سيطرة النظام ولا تشير من قريب او بعيد الى مصير الأسد… وبوتين لا يتدخل في السياسة الداخلية السورية… والقصة طويلة والموت أطول!
المصدر : النهار