مقالات

معن البياري – من “حماه” إلى جنيف

هل من رابطٍ بين مذبحة حماه في فبراير/شباط 1982 ومؤتمر جنيف الذي أريد له أن يكون لمفاوضاتٍ (أو محادثاتٍ؟) بين وفدي بشار الأسد والمعارضة السورية، الأسبوع الماضي؟ هل السؤال مفتعل، أم إن الرابط الممكن أن الذكرى 34 لتلك المقتلة المهولة مرّت بينما كانت فنادق المدينة السويسرية تستضيف المهرجان السياسي والإعلامي الخائب؟.

لا، ليس السؤال مفتعلاً، وليست الإجابة عليه هذه، وإنما هو “النهج الإسرائيلي” الذي يهتدي به النظام الحاكم في دمشق، في إزهاق الأرواح، وفي التفاوض في “عمليةٍ سياسيةٍ”، هنا، يُقال إنها لحل الأزمة السورية، وهناك في “عملية السلام” التي يُقال إنها لحل قضية الفلسطينيين. يُضاعف من وجاهة الزعم بوجود هذا الرابط ما تحظى به إسرائيل من تنديدٍ كلاميٍّ دوليٍّ وفير، وأميركي أحياناً، من دون إيذائها بشيء، وما يحوزه نظام الأسد، في غضون التمويت الذي يزاوله بهمةٍ لا تفتر منذ نحو خمس سنوات، من قصفٍ كلامي، من أميركا وغيرها، يساعده على مضيّه في ما هو فيه. وإذا كان الأسد سعيداً بالإسناد العسكري من روسيا، فإنه مغتبط، أيضاً، بخطابيّة الثنائي، باراك أوباما وجون كيري، إذ لا تغيّر شيئاً في خططه الحربية تجاه السوريين وثوّارهم ونازحيهم و….

أراد حافظ الأسد، في حماه، أن يقتصّ من نحو ثلاثمائة من “الإخوان المسلمين”، وصل إليه إنهم يعتصمون في المدينة. لا مطرح للقانون في حساباتِه، ولا للحرص على أرواح الناس، ولا لبدعة الحفاظ على مآثر المدينة التاريخية ونواعيرها وأسواقها. لذلك، ومن أجل قتل أولئك “المطلوبين”، كان قادة الحملة العسكرية، في تلك الجائحة، مطلقي اليدين، بترخيصٍ بلا سقوف، وبأي أسلحةٍ يريدون. وعلى ما ينقل الكاتب صبحي حديدي، في مقالةٍ له، عن الصحافي الوحيد الذي أشهر (وعايَن) أهم آثار المجزرة، وهو فرنسي في “ليبراسيون”، فإن المدينة حوصرت 27 يوماً، وقُصفت بالمدفعية الثقيلة والدبابات، قبل اجتياحها واستباحتها، فقضى بين 30 ألفاً و40 ألفاً من السكان، وتم تهجير نحو مائة ألف، وفقد 15 ألفاً. وجرى تهديم أحياء بكاملها، وضُربت مساجد، ونُسفت كنيستان وهُدم جزءٌ من ثالثة ونُهبت رابعة (هل ثمة مسيحيون إخوانٌ مسلمون؟!). يوضح هذا الإيجاز (المخل؟) ما يدأب عليه “حماة الديار” في الجيش العربي السوري، ومن في ركابه من الشبيحة والمليشيات الفالتة، المحلية والمُستضافة، ممن يواصلون التدمير والقتل والتهجير في حمص ودير الزور وحلب ومدن أخرى، وفي أرياف وقرى وحواضر بلا عدد، قبل العون الروسي وبعده.

هذا مسلك إسرائيلي بامتياز، في أطواره التوحشية كلها، منذ جرائم العصابات اليهودية في غير قريةٍ وبلدة فلسطينية، تمهيداً لإقامة الدولة الصهيونية في 1948، مروراً بالقصف على كل من يدبّ على الأرض، ومن يحتمي في أي منزلٍ أو ملجأ. بدعوى القضاء على “مخرّبين” في بيروت وعموم لبنان، في اجتياح 1982 وما قبله وما بعده، ثم بدعوى القضاء على “إرهابيين” في غزة وعموم فلسطين. كان كافياً أن يُشاع أن ياسر عرفات يتردّد على هذه البناية أو تلك، حتى تُلقى حمم الموت في القذائف العمياء عليها، بمن فيها، ومن يمرّون حواليها. وأن يكون صلاح شحادة في بناية في حي مزدحم في غزة، فذلك لا يعني شيئاً لداني حالوتس، عندما يأمر، بصفته رئيس الأركان، بإلقاء قنبلةٍ تزن طناً على البناية، فيقضي مع الرجل 18 فلسطينياً، نصفهم أطفال. هذا نهجٌ أُخذ به في مخيم جنين وفي جرائم إسرائيلية غير قليلة، يُرسل نظام الأسد الإبن وفده إلى جنيف، تواكبه مثيلاتٌ لها في ريف حلب وجواره.

أما أن يحدّثونك عن قرارٍ لمجلس الأمن، رقمه 2254، فهذا مزاحٌ لا يجد نظام دمشق نفسه مضطراً لأن يأخذه على محمل الجد، سواء في “الدردشة” مع ستيفان دي ميستورا في جنيف، أو في غيرها. تماماً كما إسرائيل، إذا حدّثت رئيس وزرائها الراهن، نتنياهو، عن قراراتٍ لمجلس الأمن تطالبه بوقف العنف، فإنه قد يسقط على قفاه من فرط ما سيغشاه من ضحكٍ كثير، على الذقون وغيرها. 

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى