مقالات

بشير البكر – الأمل السوري

يأمل السوريون أن لا تقتصر الهدنة التي من المقرّر أن يسري مفعولها صباح غد السبت (27 فبراير) على أسبوعين فقط، بل أن تستمر لتتحول إلى سلامٍ دائمٍ، يوقف إطلاق النار من خلال عملية سياسية، تقود إلى حل نهائي ودائم برعاية دولية. وقد برهنت تطورات الأشهر الأخيرة على جملةٍ من الثوابت التي صارت تحكم الوضع السوري الراهن، وتحدّد مجرياته.

أول الثوابت أن حظ الحل العسكري للوضع السوري يتراجع كل يوم، لصالح الحل السياسي. وعلى الرغم من أن الأسابيع الأخيرة شهدت تصعيداً عسكرياً كبيراً وتقدماً ميدانياً لصالح معسكر النظام، فإن المحصلة لا تعني قلب الطاولة، وإخلالاً نهائياً بموازين القوى كما تصوّر بعضهم، بقدر ما أن هذا المعسكر كسب جولةً بفعل دخول الطيران الروسي عنصراً في المعادلة.

ولا يخفى على أحد أن هذا العامل مؤقت ومتحول، وله حساباته الخاصة التي لا تتطابق، بالضرورة، مع ما يطمح إليه النظام على الصعيد الميداني. وقد ظهر التباين واضحاً على هذا الصعيد، من خلال رد المندوب الروسي في مجلس الأمن، فيتالي تشوركين، على تصريحات رئيس النظام السوري بشار الأسد، حينما قال الأخير إن القتال سيتواصل، حتى يستعيد السيطرة على كامل التراب السوري. وكان رد تشوركين إن الهدف هو الوصول إلى وقف إطلاق نار وتحقيق السلام.

أوساط الائتلاف السوري المعارض نظرت بتفاؤل حذر إلى تصريحات تشوركين، واعتبرتها أمراً غير تفصيلي، كونها ستنعكس في اتجاهين. الأول على الصعيد الميداني. فالروس ليسوا في وارد خوض حربٍ بلا نهاية، من أجل إعادة حكم الأسد على كامل سورية، بل هناك حدود وأهداف من تدخلهم العسكري. والاتجاه الثاني سيجري التعرّف عليه، بعد سريان الهدنة مباشرة، من خلال الخطوات التي سيقدم عليها النظام، على صعيد إجراءات بناء الثقة، وبعد ذلك روحية العودة إلى مفاوضات جنيف.

وتراهن بعض قيادات “الائتلاف” على تطوّرٍ قيد التشكل في الموقف الروسي، وتعزو ذلك إلى زيارة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى موسكو في الشهر الماضي، وإلى الاتصالات التي أجرتها الرياض مع موسكو، والتي ستقود الملك سلمان إلى زيارة روسيا قريباً.

أما الثابت الثاني فهو أن هناك قناعة حول صعوبة التوصل إلى حل يرضي النظام والمعارضة في الوقت نفسه، وأن المخرج الوحيد لهذا الاستعصاء هو فرض تسوية وإلزام الأطراف جميعا بقبولها، ولن تكون هذه التسوية على حساب طرف لوحده، حتى يتم ضمان ديمومتها، بل إنها ستجري على أساس تنازلاتٍ متبادلةٍ وبضمانات دولية، وتؤكد أطراف دولية أن أحد بنود التسوية هو رحيل بشار الأسد. ولكن، ليس على نحو فوري، بل سيستغرق الأمر بعض الوقت.

والثابت الثالث أن تقتنع جميع الأطراف بأن مسألة محاربة “داعش” وجبهة النصرة واجب يجب أن ينهض به الجميع، النظام والمعارضة، وهذا أمر تم النص عليه بصورة واضحة في الهدنة، من خلال القول إن وقف العمليات العسكرية لا يشمل “داعش” و”النصرة”، وسوف يتم تطوير هذا البند ليصبح أمر محاربة هاتين المنظمتين لا يقتصر على روسيا والولايات المتحدة والتحالف فقط، بل واجباً على جميع الأطراف السورية المنخرطة في العملية السلمية.

هذا الأمر الذي يبدو صعباً بالنسبة للبعض هو من أحد شروط الحل في سورية، ولا يمكن التنازل عنه من جانب واشنطن، على الأقل التي تراهن بقوة على تحقيق إنجاز تدمير “داعش” والنصرة.

وقف إطلاق النار الدائم هدف جميع السوريين، وهو ليس في صالح النظام، لأنه مدخل لنزع سلاح القتل من يده، ومتى تحقق هذا الأمر، وتم تحريم اللجوء إلى السلاح، فإن معنى ذلك فتح نافذة أمل لجميع المراهنين على عملية انتقالية سلمية. 

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى