مقالات

ثائر الزعزوع – خمس سنوات: ماذا بقي من الثورة السورية

يكاد البعض ينسى، أو يتناسى، أثناء الحديث أو مناقشة الحدث السوري أن الأمر برمته ابتدأ بثورة شعبية ضد نظام حكم استبدادي دكتاتوري، وأن رياح التغيير التي عصفت بالمنطقة العربية، مشرقها ومغربها، كان لا بد أن تتوقف مطولا في سوريا تحديدا لتقتلع واحدا من أكثر النظم تسلطا.

ويبدو بالمقابل أن المنظومة العالمية جاهزة تماما لتحويل الثورة السورية إلى “مأساة إنسانية” أو “كارثة” لم يعرف لها التاريخ مثيلا، وصولا إلى وصفها بالجحيم السوري، طبعا دون أن ننسى مصطلح الحرب الأهلية الذي لا يجد خبراء سياسيون ضيرا من استخدامه وتسويقه، والسعي بمعية منظمات دولية في مقدمتها الأمم المتحدة لإيقاف تلك “الحرب الأهلية” والوصول إلى حل سلمي يرضي جميع الأطراف، على الرغم من أن الجميع يدرك أن الأطراف لا يمكن أن تتفق على حل واحد، إذ أن المطلب الشعبي كان ينص دون مواربة على “إسقاط النظام” وهذا المطلب الذي لا لبس فيه كان حتى قبل عامين، أي حين احتفل السوريون بالذكرى الثالثة لانطلاق ثورتهم، مقبولا من قبل المجتمع الدولي الذي لم يوفر جهدا وقتها من الضغط على نظام دمشق بدءا بمقاطعته وحصاره، وصولا إلى التلويح باستخدام القوة كما فعلت الإدارة الأميركية صيف العام 2013، إلا أن تلك النغمة العالية تغيرت بشكل كبير حين ظهر مستبد آخر لا يقل وحشية وإجراما عن نظام دمشق، وهو يتفق معه في معاداة السوريين وخنقهم وترويعهم بشتى الوسائل، وقد كان تنظيم داعش بمثابة طوق نجاة ألقي للنظام المترنح، فانشغل العالم بوحشية داعش وتناسى وحشية الأسد، مع أن الدلائل أكدت أن ثمة ارتباطا وتنسيقا بين النظام والتنظيم، آخرها ما كشفته وثائق ومستندات غربية تشير إلى أن نظام دمشق يشتري حصصا منتظمة من النفط من المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.

تبدل المشهد بالنسبة إلى السوريين، وبدل النضال للتخلص من مستبد واحد صار لزاما عليهم النضال ضد مستبدين؛ أحدهما يرتدي قناع المقاومة والممانعة الطائفي البغيض الذي ألبسته إياه إيران، والثاني يرتدي قناع الدين والخلافة الإسلامية، وقد فتح هذا الخلط وهذه الفوضى الباب السوري واسعا لكل من هب ودب للتدخل، وصارت سلعة الإرهاب مغرية يستطيع النظام بيعها لمن يشاء، ما دام الطلب العالمي عليها موجودا.

تشتت بنادق الثوار، أو فلنقل من بقي قابضا منهم على بندقيته، فيما شهدت السنة الخامسة قوافل مهاجرين لم تشهدها السنوات التي سبقتها، بات البحر المتوسط مقبرة مفتوحة لاستقبال المزيد من الأجساد، وبات السوري الذي لم يفرّ لا يجد ملاذا آمنا يحتمي به من تساقط البراميل المتفجرة وهو السلاح الأخطر والأكثر استعمالا من قبل قوات النظام، فيما تولى طيران الحليف الروسي إنجاز مهمة تدمير ما تبقى وقتل من لم يقتل، بينما كان تنظيم داعش يجز الرقاب كيفما شاء دون أن يخشى تحليق أسراب طائرات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، بعد أن خبرها لأكثر من عام ونصف وعلم أنها تنفذ غارات أقرب إلى الاستعراضية منها إلى القتالية، ولا طائرات الروس التي لم تصل إلى مناطق انتشاره إلا مرات معدودة.

وإذا كان قدر الثورة السورية، أو هكذا شاء المجتمع الدولي، أن تنتهي على طاولة مفاوضات تبدو جولاتها ماراثونية، فإن ما أنجز من تلك الجولات حتى يومنا هذا لا ينذر بأننا سنشهد تقدما ولو طفيفا مهما مر من الوقت ومهما تعددت الجولات، إذ يبدو النظام أشد تمسكا بخيار الحرب ضد أبناء الشعب السوري وهو ما تؤكده لغته التصعيدية الرافضة، كليا، لأي مقترح قد يجنب سوريا المزيد من الانزلاق، فيما لا تستطيع المعارضة السياسية أن تساوم على دماء قرابة نصف مليون شهيد وتقبل بأنصاف حلول أو باتفاق سياسي لا ينص صراحة على أن رأس النظام لن يكون موجودا في مستقبل سوريا، فما هو الحل إذن؟

ليس علينا أن ننتظر كثيرا لنسمع الإجابة على هذا السؤال المؤرق، فقد هتفت حناجر السوريين في المناطق التي لا تخضع لسيطرة النظام ولا لسيطرة “حليفه الداعشي” وجددوا عهد الثورة الأول، مظاهرات حاشدة وهتافات وغناء أحيا أناشيد القاشوش الذي اقتلع النظام حنجرته في الأشهر الأولى للثورة، وهذا هو الحل السياسي الوحيد الذي يعرفه السوريون، ربما هم لا يتقنون المفاوضات والألاعيب السياسية، وربما لا يستطيعون مجاراة الطائرات الروسية، ولا حتى الميليشيات الإيرانية الطائفية، لكنهم بكل تأكيد قادرون على الاستمرار في ثورتهم ضد كل استبداد أيا كان لونه ومهما تلا على أسماعهم من بيانات مقاومة أو من فتاوى تكفير، وليقولوا لكل من يسأل ماذا بقي من الثورة؟ لقد بقيت الثورة كلها. لكنها بكل تأكيد ثورة متعبة.

 المصدر : العرب 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى