مقالات

فايز الفايز – لماذا لا يضرب الإرهاب إيران؟

هل سأل سائل: لماذا لم تقع في إيران ومنذ سنوات أي عملية إرهابية أو سلسلة تفجيرات لاستهداف مقرات رسمية؟ لماذا لا يوجد في إيران مترامية الأطراف أي عنصر ينتمي إلى تنظيم داعش أو القاعدة الأم ليقوم بتفجيرات فيها، كما وقع في عمان والسعودية والكويت وأنقرة وإسطنبول وبروكسيل وباريس؟ لماذا إيران وحدها بمنأى عن كل تلك التهديدات، فيما تفجيرات المساجد القديمة كانت فردية من أشخاص لا تنظيم، حتى هجمات تنظيم داعش في العراق كانت تتوقف عند حدود النفوذ الإيراني هناك، رغم أنها تدعم التنظيمات الإرهابية علنا، كحزب الله اللبناني والميليشيات الطائفية في العراق وسوريا، وتحرض المواطنين السعوديين والبحرينيين على التمرد، فيما اليمن وقع تحت عملائها الحوثيين.

مئتان وثماني عشرة فقرة تضمنها البيان الختامي لمؤتمر منظمة العالم الإسلامي الذي أنهى أعماله في العاصمة التركية، لم تثر أي فقرة من البيان حفيظة أحد من دول العالم سوى إيران التي غادر رئيسها حسن روحاني القمة غاضبا، وغضبُ روحاني هو بلا شك يُغضب أصدقاءه وعملاءه في المنطقة، والسبب هو الفقرات التي أدانت تدخلات إيران في دول المنطقة ودعمها المليشيات والأطراف العسكرية، ونددت باستهداف البعثات السعودية، ولكن في الوقت الذي شعر به البعض بنشوة الانتصار، لم يتذكر أن القادة الإيرانيين قد شعروا بنشوة أكثر في طهران، فإيران حصلت أخيرا على منظومة صواريخ إس 300 الروسية.

مؤتمرات القمم العربية والإسلامية، لم يعد لها أي قيمة بعد كل ما حصل للعالم العربي والإسلامي، هذا ما تأكدت منه الشعوب العربية، لأنها قمم كلام وبيانات تشبه محاضرات التاريخ وعلوم السياسة والبيوجغرافيا الأمنية، ولكن إيران هي الدولة الوحيدة التي تمتلك بضاعتها لتبيعها في كل مناسبة، ففي ظل انشغال المؤتمرين بالحديث عن الخلافات والصراعات في العالم الإسلامي، كان قائد العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني “قاسم سليماني” يعقد مفاوضاته مع القادة العسكريين في موسكو للإفراج عن باقي بنود الصفقة العسكرية لإيران، ويحثهم على سرعة توريد الصواريخ والأسلحة إلى سوريا.

المؤتمرون “الله يحفظهم” لم يتركوا شاردة ولا واردة تخص مصائب العالم الإسلامي من أقصى بلاد تايلاند والفلبين وميانمار شرقا حتى البوسنة والهرسك غربا وغينيا وغامبيا جنوبا، وكشمير الباكستانية أيضا إلى ناجورني كارباخ المجاورة لقاعات المؤتمر، وقد ذكرّونا بالكم الهائل من الخيبات التي يعانيها العالم الإسلامي في ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، من قتل وتشريد وحرمان إنساني طال بقاؤه، ولم ينته شيء منه حتى اليوم منذ بداية القرن الماضي حتى اليوم، فيما أغنى بلاد المسلمين وأكثرها تحضرا وهي الشرق الأوسط باتت ينابيع دم.

وحدها إيران التي تمتلك القدرة العجيبة على التعايش مع تحدياتها، ففي ظل الحظر الاقتصادي والعسكري عليها لثلاثين عاما وأكثر استطاعت وبديناميكة أن تقلب الطاولات جميعها على رؤوس الجميع، وتحت ستار السرية والعمل الدؤوب استطاعت أن تنتزع الاتفاق بشأن برنامجها النووي مع واشنطن والدول الكبرى، وهذا ليس هو المهم، بل أن رفع الحظر عنها كان الأهم، حيث استطاعت خلال فترة وجيزة من استقطاب الاستثمارات وعقد الصفقات التجارية والعسكرية، ولا أحد يتحدث عن مصائبها الداخلية.

في قراءة سريعة للبيانات الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان الغربية وتقارير الخارجية الأمريكية ومنظمة العفو الدولية ومنظمة هامة كـ”هيومن رايتس ووتش” لم يتطرق أحد منهم في السنوات الأخيرة كثيرا لمدى بشاعة الإجراءات الرسمية التي تنتهجها طهران ضد المعارضين داخل إيران، ولا وجبات الإعدام الضخمة التي تستهدف في الأغلب معارضيها والأقلية السنيّة هناك، خصوصا في مقاطعات الأهواز العربية السنية الواقعة تحت الاحتلال الإيراني منذ زمن بعيد. ومع هذا، فإن الخارجية الأمريكية تتعامل اليوم مع طهران على إنها عاصمة للخلافة الشرق أوسطية الجديدة، شئنا أم أبينا.

فتركيا التي أكد رئيسها طيب رجب أردوغان حق الدول الإسلامية في الدخول إلى نادي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وامتلاكها لحق النقض الفيتو، لا يبدو أنها تحظى بالرضا التام من قبل العواصم الغربية، وذلك لأن النظام الحاكم في أنقرة لا يتماهى تماما مع السياسات الغربية والأمريكية، لذلك فهم يحتاجون إلى ندّ آخر.

زعماء العالم الإسلامي يبدو أنهم لا يريدون أن يفهموا أن عصر الكلام والحرب الباردة قد ولى، والبكائيات على جدار التاريخ لم يعد بابا للغفران واستمطار السلام، فالعالم في تسارع متزايد نحو متغيرات تلغي كل إرث عصر القرن العشرين ومخلفات التركة الاستعمارية، وفي سبيل تحقيق ذلك لا بد من التخلص من كل المعوقات السياسية والجغرافية أمام طاولة القرار العالمي الجديد، وفي زمن القوة العظمى لإسرائيل، فلا بد لهم من صنع “توازنات قومية سياسية” تركيا جنوبها، والبحث جار عن إخراج إيران من تحت الطين لتنبت كعاصمة خلافة قومية شرق أوسطية هي ثالثة الأثافي السياسية الأقوى، ونحن نندد ونتوعد.

المصدر : الشرق الفطرية 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى