على أعتاب مدينة تكريت العراقية قبل أكثر من عام ظلت رايات ميليشيات الحشد الشعبي ترفرف في مكانها لأيام طويلة منتظرة اختراق دفاعات تنظيم داعش في المدينة. وكانت صور القائد الإيراني قاسم سليماني تنتشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بصفته العقل المدبر للهجوم على تكريت. والذي جاء بُعيد انهيارات سـابقة للجيش العـراقي أمام هجوم التنظيم.
ولكن، رغم مرور الكثير من الوقت لم يحدث أي شيء له قيمة على تلك الجبهة حتى تدخل الطيران الأميركي الذي تجنب الدخـول في المعركـة خلال الأيـام الأولى من الهجوم نتيجة رفض قيادات الحشد، ومن ورائها إيران، المساعدة الأميركية تلك. ذلك الرفض المعزز باعتقاد هؤلاء بقدرة إيران على مساعدة الحشد على تجاوز المدينة وتحريرها، ومن ثم التفرد بعملية السيطرة على البلاد والتي خيبتها قوات داعش، والتي اضطرت بعدها تلك القوى وعن طريق الحكومة العراقية إلى أن تستنجد بالطيران الأميركي لرفع الحرج عنها ولطرد التنظيم الإرهابي وتحرير المدينة.
لم يكن رفض الحشد الشعبي، ومن ورائه إيران، المساعدة الأميركية نابعا فقط عن الغرور، كان عبارة عن اعتقاد راسخ بأن النصر في تكريت، هو بداية سيطرة شاملة على باقي المناطق العراقية الخارجة عن سيطرة النفوذ الإيراني في ما سبق من الأيام.
وبالتالي، هي تمهيد للابتلاع السياسي والعسكري الشامل لدولة مجاورة وثرية ووسيطة بينها وبين الحرب الأخرى في سوريا التي تشبه، إلى حد كبير، في مكوناتها مكونات معركة تكريت، والتي انتهت نتائجها لصالح الولايات المتحدة وحلفائها من الناقمين على إيران شعبيا وسياسيا.
إذن هي بالمحصلة كـانت حرب نفوذ بين إيران وأميركا على من يستطيع أن يدعم توابعه في العراق أكثر في معاركه ضد تنظيم الدولة.
وبالتالي، من سيكون له اليد الطولى في عراق ما بعد داعش. والتي نجحت الولايات المتحدة فيها على حساب إيران إلى حد كبير من على الضفة السياسية السنية والكردية على أقل تقدير.
في سوريا، كان خبر سقوط بلدة خان طومان المفاجئ في محافظة حلب على يد جيـش الفتح الذي تقـوده جبهة النصرة جناح القاعدة في سوريا مفاجئا جدا للجميع.
كان النظام يتبجح بقرب وصوله إلى التطويق الشامل لمدينة حلب. وكان رأسه يتحدث في وسائل الإعلام عن قرب تحرير المدينة الكامل، وكان يلـمح، بثقـة، لتمرده شبه المبطن على أي حل خارج أسسـه المطروحة رغم لهاث جون كيري وسيـرجي لافروف المستمر على ترسيخ الهدنة بين القوى المتقاتلة في سوريا.
لكن سقوط بلدة خان طومان من يد النظام، وحلفائه من الميليشيات الشيعية، والقوات الإيرانية، ودون أي حراك روسي لمنع السقوط أو إعادة التحرير استدرجت معه حيثيات كبيرة يمكن تلخيصها في ما يلي:
أولاً: الاعتراف الرسمي الأول لإيران بتدخلها العسكري المباشر على الأرض والمتجاوز لحديثها المتكرر عن المستشارين العسكريين. والذي جاء نتيجة مقتل وأسر العديد من جنودها في البلدة وما يتبعه من اعتبارها جزءا مباشرا ومعلنا للحرب الطائفية في المنطقة.
ثانيا: عودة القوتين الإقليميتين؛ تركيا وإيران إلى المربع الخلافي الأول في سوريا، والمتمثل بمـا يسمى الصـراع السني الشيعي. والذي حاول الطرفان تجاوزه لكبح انطلاقة الأكراد في سوريا، والناتج عن الاتهام الإيراني المباشر ومن خلال إعلامه لتركيا بدعم تلك القوى الإسلامية المتشددة في الهجوم على البلدة.
ثالثا: تأخير عملية السيطرة على مدينة حلب والتي كانت ملامح حصارها بدت واضحة إلى حد كبير. وبالتالي، تعزيز الضغط على النظام للتشبث بالمفاوضات، وتقبلها، وعدم المماطلة للهروب من استحقاقات الحل.
رابعا: قيـادة النصرة لمعظـم العملية عززت أيضا لدى وفد المعارضة وداعميه أهمية التشبث بالمفاوضات قبل ابتلاع التنظيمين الإرهابيين (داعش والنصرة) لكل حلفائها الذين تعتبرهم هي (المعارضة) والدول الإقليمية الداعمة لها القوى المعتدلة الثورية.
خامسا وأخيرا: رسالة روسية واضحة للنظام وإيران معا على أن أي انتصار في سوريا لن يكون إلا بوجودها. ولن يستطيع النظام الهروب من البرنامج الروسي للحل في سوريا بالاستعانة بإيران. ولن تستطيع إيران فعل أي شيء للنظام المتهالك إلا من خلال الوحش الروسي.
كان وضوح عدم تدخل الطيران الروسي الذي أثبت فعاليته في الخارطة العسكرية السورية خلال الفترة الماضية في معركة خان طومان بشكل فعلي رسالة مبطنة لإيران والنظام معا على أنه لا خروج على عباءة فلاديمير بوتين، وأنه لا يمكن للنظام الاستناد على إيران لحماية نفسه وللهروب من استحقاقات الحل والطاعة.
وكما كان عدم تدخل الطيران الأميركي لصالح ميليشيا الحشد الشعبي المدعوم بهالة قاسم سليماني وجنوده في معركة تكريت السبب في انتكاسة تلك المجموعات، وبالتالي، استنجادها بتلك الطائرات، التي تعتبرها مرجعية تلك الميليشيات الدينية في قم طائرات العدو، بصورة مذلة هي طريقة من طرق تحجيم النفوذ الإيراني في العراق وردعه عن التمادي.
أظهرت الوقائع أن الحالة السورية، ومعركة خان طومان جنوب حلب، تمضيان في ذات الاتجـاه، ومن أجل ذات الهدف، وإن مـن على الجبهة الروسية السورية هـذه المرة.
المصدر : العرب