مقالات

معن البياري – كل هؤلاء المطبعين

طالما أن في وسع إعلاميين وفنانين وناشطين وحزبيين وسياسيين عربٍ أن يزوروا مؤسساتٍ إسرائيليةً بدعوة منها، ثم يعودوا إلى بلدانهم، من دون أن تسائلهم السلطات بشأن ما اقترفوا، بل وطالما أن هؤلاء، غالباً ما يُستضافون في وزارة الخارجية الإسرائيلية، وهيئاتٍ وجامعاتٍ ودوائر في دولة الاحتلال، بنوعٍ من التشجيع من حكومات بلدانهم، فإن ظاهرة الوفود الإعلامية والرياضية والفنية العربية إلى إسرائيل لن تتوقف، بل ستتسع.

أما الغاضبون والحانقون، في أي موضوعٍ كانوا، فالفضاء الإلكتروني شاسع، ووسائط الإعلام كثيرة، لهم أن يفضفضوا فيها عمّ في جوانحهم من أسفٍ وزعلٍ كما يشاءون، أو فليشربوا البحر إذا أرادوا. .. هذا هو الحال بالضبط، ولا توصيف غيره، بدلالة أن خونةً بحرينيين لشعبهم، قبل أمتهم، وقبل فلسطين، منسوبين إلى جمعيةٍ أهليةٍ في بلدهم، استضافتهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، والتقوا مسؤولين إسرائيليين، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ثم عادوا إلى بلدهم، ولم ينلْهم شيء، سوى شرشحةٍ في بعض الصحف، وبهدلةٍ في “السوشيال ميديا”. ومن البلاهة أن يُفترض أن هؤلاء لم يحظوا بتشجيعٍ من السلطة الحاكمة في بلدهم، ليرتكبوا فعلتهم الشائنة تلك. ومن شواهد غير قليلةٍ على ذلك أن فريق دراجاتٍ هوائيةٍ بحرينيا شارك، قبل أسابيع، مع نظيرٍ له إماراتي، في تظاهرةٍ رياضيةٍ إسرائيليةٍ احتفاليةٍ بذكرى قيام الدولة العبرية، عَبَرت القدس التي كان تعريفُها أمام الفريقيْن العربيين “عاصمة إسرائيل الموحدة”.

وفد المخرجين والمهندسين ورجال الأعمال و.. المغربي الذي يزور دولة الاحتلال حاليا، بدعوةٍ من وزارة الخارجية الإسرائيلية، سيعود إلى بلاده، وكأن شيئا لم يكن، كما وفودٌ مثله سبق أن فعلت السوء نفسه. والبادي أن جلود هذه الطينة من البشر كما جلود التماسيح، لا يخدشها السخط العريض في المغرب على ما فعلوا. ولا يبدو أن السلطة العميقة النافذة في الدولة المغربية معنيةٌ بالمسألة كلها. ولكن، هذا حزب الاستقلال يعلن مجدّدا عزمه تقديم مقترحٍ في البرلمان بتشريع قانونٍ يجرّم التطبيع مع إسرائيل، أو على الأصح إحياء المشروع المركون في مجلس النواب، وذلك في توجّهٍ تدعمه أوساطٌ واسعةٌ في البلاد، سيما المرصد المغربي لمناهضة التطبيع.

ومن غرائب الوقائع المتصلة بالموضوع وعجائبها ما صدر عن كاتبة الدراما، الإعلامية الكويتية فجر السعيد، من مدائح لسلوك الجنود الإسرائيليين معها، في محيط الحرم القدسي في القدس المحتلة، وهي التي زارت الأراضي الفلسطينية ضيفةً على الصهيوني إيدي كوهين (إعلامي ومحاضر جامعي إسرائيلي). لقد أدهشها “منتهى الذوق” الذي عاملها به أولئك الجنود، لما قدّموا لها القهوة والتمر والبسكويت. ولسائلٍ أن يسأل عن موقف سلطات الكويت من فعلة هذه المرأة، فقد خرقت محظورا قانونيا واضحا، والكويت في حالة حرب مع إسرائيل، بحسب قوانين عتيقة. ويُصاب الواحد منا بأرطالٍ من الدهشة من مقادير السذاجة التي ترفل بها كاتبة الدراما الكويتية هذه، إذ يفاجئها ترحيب جنودٍ إسرائيليين بها، وهي القادمة من الكويت ضيفةً على المحتلين، بينما يُستهدف الفلسطينيون من هؤلاء بالرصاص والتجويع والحصار.

ما ليس مقلقا في الظاهرة أن الوجوه العربية المطبّعة خفيفةُ الوزن في بلادها، ولا اعتبار خاصا لها، وإنْ في البال أن جنرالا سعوديا متقاعدا، اسمه أنور عشقي، أوفدته بلاده قبل شهور، إلى الخارجية الإسرائيلية، بزعم أنه يمثّل نفسه، غير أن من شأن تتابع وصول وفود هؤلاء إلى الدولة العبرية، تحت يافطات الحوار ودعم السلام، أن يساهم في إشاعة انطباعاتٍ عامةٍ بعادية ما يقومون به، من دون كثير استغراب. ولهذا الأمر خطورتُه، سيما أن نخبا تُتاح لها مساحاتٌ في الفضاء الإعلامي، لتروّج ما تعتبره إسهاما في إشاعة ثقافة الحوار والسلام، في غضون حالة التدمير والعنف الراهنة في المشرق العربي، وتؤدّيه زيارات أولئك المستضافين لدى مؤسسات دولة الاحتلال…

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى