مقالات

أحمد عمر – عاصفة كوليندا كيتاروفيتش حيص بيص

لا تزال رئيسة كرواتيا “الشقيقة” عروسَ المونديال، حتى هذه اللحظة التاريخية “التي هرمنا من أجلها”، والتي تتيه وتسحب، فـي مـغانينا ذيـول الـشهب، وقد وجدتُ أنّ عشاقها هم من العرب الهاربة من ملعب التاريخ إلى ملعب المونديال، النازحين من وحشة الربيع العربي المنكود إلى مناصرة الفريق الكرواتي.

خرجت كتائب الفرق العربية مبكراً من الدور الأول في المونديال مندحرةً، ولم يبكّر العرب المعاصرون في شيء مثل خروجهم من مولد الحضارة من غير حمّص. ووجدت أنهم قد نسبوا صفات رئيس الأوروغواي، خوسيه مونيكا، الطيبة الكريمة إلى رئيسة كرواتيا، وهو، حسب الأخبار الموثقة، أكرم رئيس بين رؤساء العالم. وانتشرت صورة لممثلةٍ بالبكيني “المهنّد”، تبيّن أنها للممثلة الأميركية كوكو أوستن، ونسبت فضائل إلى رئيسة كرواتيا ليس لها بها حاجة، وكان من سوء الحظ أنّ الشائعات الزرقاء انتشرت انتشار النار في هشيم ديار مارك، لأن قلّةً تعرف اللغة الكرواتية، فصدقت فينا الآية: “فأغشيناهم فهم لا يبصرون”.

أما الأسباب البعيدة لشيوع هذه الفتن ورواجها، فلأنّ الحارة الزرقاء ضيّقة، وفاسدة، والأسباب القريبة، أنّ ملكين من ملوك العرب الذين شاركت فرقهم في المونديال هما في أرذل العمر، والملك الثالث زهايمر أصلي منه وفيه، وبلغ به الزهد أن ثلاجته ليس فيها سوى ماء منذ عشر سنوات، وهدرٌ كبير أن يشغل المرء ثلاجةً من أجل الماء، والرؤساء جميعاً، شيباً وشباناً، مصابون بالزهايمر أو قسوة القلب، لا يستطيعون أن يثبوا وثبات كوليندا الفرحة، ولا أن يبتسموا ابتسامتها، فهم يحتاجون إلى مدرّب خمسة أيام لأدائها. وأشكُّ في أنّ اثنين من الملوك العرب يستطيعون متابعة مباراة كاملة، مع أنها مشوّقة، من غير مساعدة صديق، إلى أن ظهر شاب مقدام باسل، وصف جمهور كوليندا العاشق بالقطيع، ووضح لنا أن رئيسة كرواتيا فاسدة، وغير محبوبةٍ من شعبها، وهي رئيسة شبه فخرية. ولم يدرك أن صفة “الفخرية” نعمة كبيرة غير متاحة في بلاد العرب التي تعيش شعوبها موتاً فخرياً. وذكر مفسدة من مفاسدها، هي أنّ زوجها استخدم مرةً سيارة الحكومة لزيارة شخصية، وأنّ لكوليندا صفقات شراء طائرات مع إسرائيل، وأنها أميركانية الهوى، وكان من أسباب شيوع نجم كوليندا أن إعلاميين كبارا مدحوا لطفها، وأنّ المطر كان فألاً حسناً، حوّل مشهد التتويج إلى مشهد رومانسي، كانت تنقصه أغنية من فيلم هندي. 

وبما أنّ الناس تراقب كل شيء، في العصر الذي بات في يد كل امرئ منهم كاميرا، فقد زودتنا المغاوير بصورتها، وهي تقف باحترام في حضرة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وتنظر إليه بإعجاب يشبه الوله. والآن ما تفسير حبّ العرب كولنيدا؟

قيل السبب الفحولة، فهي حسناء، “والله يستر عليها”. وقيل: الأمومة، فكأنّ الشعب يتيم. وقيل الشباب والتواضع. وقيل الفوز، فكرواتيا دولة صغيرة تفوقت في الكرة. وذكرتني الخطوب، وهي تنسي، بقصة زوّار ليوسف إدريس، والتي تروي حكاية مريضة اسمها سكينة، مقطوعة من شجرة، ليس لها زوّار، تستحوذ على زوّار زميلتها مصمص. سأعرض هذه القصة من سيرتي، في تفسير حب الناس كوليندا:

يُحكى أن زميلاً لي في أيام الجامعة كانت شراكة السكنى تضطره إلى سماع الأحاديث عن الشعر والقصائد، حتى عرف معظم أسماء الشعراء المعاصرين، ومصطلحات القصيدة النثرية، وأنواعها من غنائية ومباشرة ويومية، وقصيدة الرؤيا، ثم بات يشارك في نقد القصائد: وأمسى يتلو الشعر في أوقات الفراغ، ووجد نفسه قريباً من رياض الصالح الحسين. وفي أحد الأيام، وجدته يقرأ قصيدة لرياض الصالح الحسين لزميلةٍ في المقهى، كان قد حفظها غيباً، فسَألَتَه: لمن هذا الشعر الجميل؟ فقال: لي.

ومن ذلك أن صحافة دولتين عربيتين، ملكاهما مصابان بالزهايمر، احتفلتا بتطلعهما إلى استضافة مونديال 2026 و2030، مثل زميلي الذي أحب قصيدة رياض الحسين حتى غدت ملكه.

المصدر : العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى