مقالات

روبرت جي. سامويلسون – الحرب التجارية الأميركية مصيرها الفشل

حرب الرئيس ترامب التجارية قد تؤول إلى الفشل. ووراء الإخفاق المتوقع هذا عدد من الأسباب، منها أن الدول المستهدفة في الحرب هذه، في المقام الأول الصين واليابان وألمانيا، لن تنزل على طلباته. وهذا ما يحصل اليوم. وتهدد حرب ترامب مصالح الشركات الأميركية التي تساهم الرسوم في رفع كلفة منتجاتها.

وأكثر ما يتهدد مشروع ترامب الحربي التجاري هو دور الدولار عملةً رائدة عالمياً. فالدولار يملي السياسات التجارية، وقدرته هذه غير مفهومة، وهو وراء العجز التجاري الأميركي المزمن. ويترتب على دور الدولار الريادي العالمي، التوسل به في المعاملات التجارية والاستثمارات العابرة للحدود، وحتى حين لا يكون الأميركيون طرفاً. وسبق لي أن كتبت أن الطلب على الدولار ينفخ في قميته في أسواق العملات الأجنبية. فترتفع كلفة الصادرات الأميركية وتنخفض كلفة المستوردات إلى أميركا. وينجم العجز التجاري عن الارتفاع هذا. ومنذ 1981، لم يسبق للولايات المتحدة أن سجلت فائضاً قدره 1 في المئة في الحساب أو الميزان التجاري، إلا مرة واحدة. وحين يدوم مثل هذا العجز عقوداً طويلة، لا يجوز اعتباره من قبيل الشائبة أو المشكلة بل هو جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الشامل. والدولار في خدمة العالم كله.

وتُكافأ الولايات المتحدة على هذه الخدمة بحركة استيراد تفوق صادراتها. وأميركيون كثيرون يستفيدون من هذه الحركة. فالمستوردات تقيد التضخم وتوسع خيارات المستهلك؛ ويميل الإقبال على شراء سندات الخزينة، والإيداع في البنوك، والأسهم، والسندات، والمعاملات هذه كلها بالدولار، إلى خفض معدلات الفوائد. ولكن ثمة خاسرين في هذه المعادلة: المزارعون الأميركيون والمصنعون والعمال على وجه التحديد. وهؤلاء يواجهون منافسة أكثر حدة في سوقي التصدير والاستيراد. وكثيرون من الاقتصاديين يلفظون نظرية تكبد أميركا ثمن ريادة عملتها. ويقولون أن المشكلة تعود إلى رغبة الأميركيين في الاستثمار ورجحان كفة الرغبة هذه على رغبتهم في الادخار. ومدار النظريتين على منوال مشترك: حركة طلب على الدولار تقوض معدلات الصرف.

والحق يقال ليس إبلاغ الجماهير بما تقدم يسيراً. فسردية ترامب أكثر بساطة: العجز التجاري الأميركي هو قرينة على أن الدول الأخرى تنتهج سياسة تمييز ضد المنتجات الأميركية؛ والقيود على السلع المستوردة في أميركا بالغة الرخاوة. والحل هو إلغاء التمييز وتشديد القيود على السلع المستوردة. فيتبدد العجز التجاري الأميركي الواسع. ونظرية ترامب متجانسة: فهي تفترض أن العجز التجاري هو دليل على ضيم لاحق بالشركات الأميركية، وأن الحكومة الأميركية شريكة في هذا الضيم.

ولو كانت النظرية هذه في محلها، لكان هاجس ترامب بالعجز التجاري مسوغ. ولكنها بعيدة من الواقع. فالوقائع تقول أن الاختلال في التجارة العالمية كان يتقلص، قبل بلوغ ترامب الرئاسة. فأرقام صندوق النقد الدولي تظهر أن نسبة العجز في الميزان التجاري بلغت في 2006، 5.8 في المئة من الناتج المحلي الأميركي، وهبطت إلى 2.4 في المئة في 2017. وفي الصين، هبط العجز في الميزان التجاري من 9.9 في المئة من الناتج المحلي في 2007 إلى 1.4 في المئة. ولا شك في أن تغيرات في دورة العمل هي وراء هذا الانعطاف الدراماتيكي، بحسب تقرير صدر أخيراً عن صندوق النقد. فقبل انهيار الاقتصاد في 2008، نجم عن الإقبال على الاستهلاك سيل تجاري ضخم وارتفاع أسعار النفط. وعليه، ارتفعت نسبة العجز. ولكن في مرحلة الركود الاقتصادي الكبرى، انقلبت هذه الميول.

وضعف التدفق التجاري وهبطت أسعار النفط، وتقلص العجز التجاري. وكان ما ترتب على هذا التغير غير متوقع: عاد شطر راجح من الخلل في العجز التجاري إلى نصابه القويم، قبل وقت طويل من رؤى ترامب التجارية الملتوية. وإذا أفلح ترامب، وهذا غير راجح، في حمل الصين وغيرها على تقليص الخلل في الميزان التجاري، التغيرات لن تكون عميقة بل طفيفة. ربما كانت ترتجى فائدة من السعي في تقييد الخلل الناجم عن الصادرات الصينية في مرحلة «الصدمة الصينية» بين 2001 و2007، حين تضخم حجم الصادرات الصينية وتعاظم، يقول الخبير الاقتصادي، تيموتي تايلور في مدونته “The Conversable Economist». ولكن معدلات العجز التجاري انحسرت انحساراً كبيراً قبل شن الرئيس دونالد ترامب الحرب التجارية. وأغضب الرئيس الأميركي حلفاء بلاده من طريق رفع الرسوم وتقويض الاتفاقات التجارية. وإذا بقيت الأمور على حالها في الأشهر أو في السنوات المقبلة، نجم عن سياسات ترامب وبلوغها طريقاً مسدوداً، ضرر جسيم يلحق بالاقتصاد العالمي.

المصدر : الحياة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى