لم يكن حسن نصر الله موفّقاً في خطابه الذي ألقاه الجمعة الماضي، إذ تم التغطية على تناقضاته، أو ضعف منطقه، بالشحنة التعبوية واللغة العاطفية والروح الحماسية، التي تداعب عواطف جمهور الحزب والمتعاطفين معه.
في خطابه تعمّد نصر الله المبالغة كثيرا بقيمة الرد على الاعتداء الإسرائيلي في القنيطرة السورية، والذي ذهب ضحيته عدد من قياديي الحزب وجنرال إيراني. والحقيقة فإن الرد كان عبارة عن ضربة صاروخية استهدفت دورية إسرائيلية مؤللة، في منطقة حدودية مكشوفة، وكان نتيجتها مصرع جندي وضابط فقط. والأهم من ذلك أن هذه العملية جاءت ضمن قواعد الاشتباك المسموح بها في منطقة مزارع شبعا، المختلف بشأنها، وليس في مناطق أخرى حدودية، وبالطبع وليس من الجبهة السورية.
هكذا، ورغم أن نصر الله تحدث عن أن حزبه لم يعد يعترف بحدود أو بتجزئة الميادين، ما يفترض أن الأرض السورية المحتلة باتت مثلها مثل الأرض اللبنانية المحتلة، إلا أن هذا الأمر لم يحدث قط، أقله حتى الآن.
الفكرة الأخرى التي قاربها نصر الله، والتي لا يـريد أنصار حزب الله من المحسوبين على جماعة المقاومة والممانعة، أن يروها، تتعلق بتأكيده أن حزبه “لا يريد الحرب مع إسرائيل مع أنه لا يخشـاها”. وهذه المقولة تؤكد عزوف الحزب عن المقاومة منذ زمن وانشغـاله بتصريف طاقته واستثمار وجوده في الداخل اللبناني، ثم في سوريا بالدفاع عن النظام. والحال تلك، فما هي المقاومة إذن، إن كانت لا تقاتل إسرائيل، وما مبرّر وجودها حقا؟ أيضا، في مقارنة التصريحات السابقة لحسن نصر الله والتي هدد فيها بدكّ العمق الإسرائيلي بالصواريخ والانتقال إلى احتلال الجليل، تبدو العملية في مزارع شبعا جد متواضعة، وأقل بكثير من عمليات سابقة لحزب الله، ولا تتناسب مع حجم الضربة الإسرائيلية، كما تبدو التصريحات بمثابة نوع من الكلام الاستهلاكي لا أكثر.
الآن، وبمعزل عن هذه الخطابات، فإن حزب الله في واقع الأمر تخلى، من الناحية العملية، عن المقاومة منذ العام 2000 أي منذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، ولا يمكن تجاهل هذه الحقيقة لمجرد بقاء الحزب واستعراضاته العسكرية وخطابات أمينه العام الحماسية وتجبّره على اللبنانيين والسوريين حتى لو قام بعملية لذر العيون، بين وقت وآخر، كل بضعة أعوام. ومثلا، فمنذ 15 عاما لا يمكن ذكر ولو عملية واحدة له في السنة، أي 15 عملية، ولا حتى 10 أو 5 عمليات.
الجدير ذكره أن عمليات المقاومة التي نفذها حزب الله ضد إسرائيل، بين 1983 و2000، أدت إلى مصرع 860 إسرائيليا بمعدل 47 في السنة، وبعد عام 2000 ووقف المقاومة قتل من الإسرائيليين 165 منهم 163 في حرب 2006، واثنان في عملية القنيطرة، أي أنه منذ عقد تقريبا قتلت مقاومة حزب الله إسرائيليان فقط.
السؤال الآن، مقابل ذلك كم قتل حزب الله من السوريين؟ كم ألف أو كم عشرة ألوف في فترة قصيرة قدرها 4 أعوام؟
واضح من كل ذلك أن إسرائيل هي التي تتحكم باللعبة، أو بقرار الحرب ضد حزب الله، وأنها تتصرف من واقع مصالحها كدولة، حيث يمكنها أن تتحمل ضربات محدودة مقابل أن هذا الحزب يستنزف طاقته وقدراته في سوريا، وبسبب تدهور مكانته بعد أن بات مجرد أداة لإثارة النعرات الطائفية والمذهبية وتقسيم مجتمعات المشرق العربي، بحيث أنه فعل، وراعيته إيران، ما لم تستطعه هي في أكثر من ستة عقود.
أخيرا، المشكلة مع حزب الله ليست في أنه حزب شيعي، ولا أنه حزب ديني، المشكلة تكمن في أنه حزب طائفي أشبه بميليشيا طائفية مسلحة، وفي أنه مجرد أداة إقليمية لإيران، وأنه يدافع عن نظام الطاغية، وأنه يتغطى بقضية فلسطين وبالمقاومة. لا شيء يبيّض صفحة هذا الحزب في قتله السوريين، لا جرائم إسرائيل ولا بضعه عمليات، فليست هي مقاومة تلك التي تقتل شعبها ولا التي تدعم الطغاة. الحرية لا تتجزّأ.
العرب اللندنية _ وطن اف ام