بدأ نظام الملالي في إيران مدّ جذوره الطائفية نحو سورية، إذ استطاع أن يتحكّم بمفاصل حياة السوريين اليومية، بتدريب وتأهيل أتباعه، ودعمهم في مشاريع سريّة، عن طريق ترميم مزارات دينية مثل مزار “ويس القراني” بداية عام 2000 في مدينة الرقة شمال شرق سورية، كما فتح نظام الملالي، أيضاً، حسينيات في الرقة والحسكة وريف حلب الشمالي.
وبذلك صرف الأموال ودفع الرواتب، من أجل ترويج المذهب الشيعي في سورية، حتى تجاوز الأمر إلى أبعد حد، بإقامة قواعد عسكرية إيرانية في مدينة تدمر الأثرية، وتشكيل مجالس ثورية، كالمجلس الثوري في محافظة الحسكة، لجلب أتباعه، وزجّهم في صراعات فيما كان نتنياهو يتحدّى أوباما بإلقائه خطاباً وراء ظهره مباشرة (الكونغرس الأمريكي)، ويلقى حفاوة كبيرة وتصفيقاً حادّاً وصيحات تأييد لا يحصل عليها في الكنيست الإسرائيلي نفسه، وصلت مكتب «القدس العربي» في واشنطن رسالة إلكترونية ينفي فيها البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي هدد بضرب الطائرات العسكرية الإسرائيلية بعد أن قرر نتنياهو شن هجوم على المواقع النووية الإيرانية عام 2014.
وفي اليوم السابق على ذلك لمّح رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية السابق، بيني غانتس، في لقاء تلفزيوني معه، إلى أن القيادة الأمنية منعت قبل أربع سنوات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من تنفيذ مخطط هجوم على إيران، وهو ما يمكن أن يصبّ في صالح الرواية السابقة، ويفيد – سواء تأكدت القصة أم لم تتأكد ـ بوجود شرخ كبير حول التعامل مع المسألة النووية الإيرانية (ومع السياسات الخارجية الإيرانية ككلّ) بين إدارتي أوباما ونتنياهو.
وبينما تظهر كل الإشارات إلى أن الاتفاق الأمريكي ـ الإيراني قد قارب الإنجاز وأن الاختلافات الآن تدور حول تفاصيل مثل إيقاف العقوبات، يأتي خطاب نتنياهو في الكونغرس كمحاولة أخيرة من إسرائيل لإقناع المشرّعين الأمريكيين بعمل كل ما بإمكانهم لإيقاف الصفقة المرتقبة بحجة أنها ستتيح لإيران وقتاً أقصر لامتلاك سلاح نووي، وهذا من شأنه «تهديد بقاء إسرائيل».
والحال أن نتنياهو أقرب للصواب في قوله إن الاتفاق النووي لن يمنع إيران من حيازة سلاح نووي، ولكنه كاذب فيما يتعلق بتهديد ذلك «بقاء إسرائيل»، فمعلوم لدى كل الدول التي تمتلك سلاحاً نووياً أنها لا تستطيع استخدامه لأن أول استخدام له سيكون آخر استخدام أيضاً، فحتى لو كان البلد المقصوف لا يملك سلاحاً نووياً للردّ، فإن الدولة المهاجمة ستكون قد اجتازت خطّاً أحمر دولياً ما يجعل منها دولة خطرة على الوجود العالمي ويعرّضها، بالتالي، لرد نووي بالضرورة.
يمكن اعتبار هذه المنازلة بين نتنياهو وأوباما دليلاً جديداً على «حظوة العشيقة المفضلة» التي تتمتع بها تل أبيب في مؤسسات القرار الأمريكية، ولكنّه يمكن أن يعتبر أيضاً علامة فارقة على الحدود القصوى التي يمكن أن تلجأ إليها إسرائيل قبل التأكد من أن حظوتها لن تتفوّق على مصالح أمريكا العليا مع عودة رئيس وزرائها محمّلاً بأكاليل الورد وصيحات التأييد… والفشل.
يرسل هذا المشهد رسالتين متعاكستين، الأولى تؤكّد مجدداً على التناقض المستمرّ لإسرائيل مع العالم، بما يجعلها تتنافر حتى مع حاميها الأكبر، أمريكا، وهو ما يؤكد للفلسطينيين وللعالم أن استمرار هذا الكيان الغريب موضع تساؤل… والرسالة الثانية هي أن العرب قد تمكّنوا بعد أكثر من خمسين عاماً من الدخول في «العالم الحديث» إثبات عطالتهم التاريخية، وجعل أنفسهم نهباً لقوّتين إقليميتين عظميين: إيران وإسرائيل.
حصول إيران على سلاحها النووي من عدمه لن يغيّر من حقيقة أن العرب، وربما لوقت طويل، هم خارج المعادلة.
القدس العربي _ وطن اف ام