منذ أكثر من سنتين، ومخيم اليرموك محاصر من النظام السوري، وظل يُدك بكل أنواع الأسلحة، وحوصر إلى حدّ أن من سكانه من أكلوا الحشائش والقطط. وإذا كان الشباب الفلسطيني حاول، منذ البدء، تجنيب المخيم الصدام مع السلطة، على الرغم من أنهم كانوا مع الثورة، ومن أجل تجنيب المخيم مجزرة جديدة، شاركوا في التظاهر في كل أحياء دمشق وفي ريفها، بالضبط، لأنهم يعيشون الوضع نفسه الذي يعيشه السوري، من حيث الفقر والاستبداد، لكنهم كانوا يعرفون أن زج المخيم يمكن أن يدفع إلى صراع فلسطيني فلسطيني. لهذا، جهدوا من أجل ألا يتحوّل المخيم إلى ساحة صراع.
لكن السلطة وأدواتها الفلسطينية، من منظمة الصاعقة والقيادة العامة وفتح الانتفاضة، دفعت إلى تسليح مجموعاتها، وحاولت أن تزج المخيم من خلال التمسّح بالقضية الفلسطينية. وباتت تلك الأدوات تنطلق من المخيم لضرب الثورة في الحجر الأسود وحي التضامن وببيلا وغيرها، ما أدى إلى استجرار المخيم إلى الصراع، من خلال سيطرة المسلحين من الأحياء المجاورة عليه، بمساعدة فلسطينيين كذلك.
ويبدو أن هذه اللحظة كانت الفرصة التي أرادتها السلطة، لتصفية الحساب التاريخي مع المخيم الذي كان يعبّر في كل المفاصل عن “خيانة” النظام للقضية الفلسطينية، وأيضاً احتضانه المعارضة السورية. لهذا، جرى حصاره بكل العنف الممكن، إلى حدّ منع دخول الغذاء والدواء بشكل كامل، وبالتالي، تجويع السكان حتى الموت، وإذلالهم حين أراد إدخال بعض الغذاء، وأمطر، كذلك، المخيم بالصواريخ وبقصف الطيران والبراميل المتفجرة.
لم يكن هذا الأمر لأن في المخيم مسلحين، فقد قصف كذلك مخيم خان الشيح، وهو لا مسلحين فيه أصلاً. الأمر يتعلق بموقف، من المخيم ومن اللاجئين الذين بات القرار الدولي يفترض ترحيلهم إلى أبعد نقطة عن فلسطين، كما حدث مع اللاجئين في العراق الذين رموا في معسكرات على حدود الأردن، وكذلك سورية (القومية والممانعة)، إلى أن تم ترتيب ترحيلهم إلى أميركا اللاتينية.
في مخيم اليرموك، يبدو أن المطلوب أيضاً هو الأمر نفسه. يجب أن يدمّر المخيم، وأن يرحّل اللاجئون إلى مجاهل الأرض. هذا ما يُلمس، من طريقة التدمير والقتل التي شهدها المخيم الذي شكّل رمزاً للثورة الفلسطينية.
نقول ذلك بعد أن دخلت داعش المخيم، وسيطرت على أجزاء عديدة منه. كيف دخلت، والمخيم محاصر من كل الجهات من أكثر من سنتين؟ فقد كانت عناصر داعش موجودة في الحجر الأسود، وبين الحجر الأسود والمخيم سيطرة للسلطة. هذا يطرح الأسئلة حول كيفية الانتقال من الحجر الأسود إلى المخيم. ثم دخل داعش من مواقع جبهة النصرة، وهذا، أيضاً، يطرح الأسئلة عن طبيعة جبهة النصرة. السلطة تريد دخول داعش المخيم، وجبهة النصرة سهّلت ذلك. ما هي جبهة النصرة؟ ألم يحن الوقت لتكسير الوهم حولها؟
في كل الأحوال، يمكن القول إن داعش والنصرة يلعبان اللعبة نفسها التي تسهّل تصعيد عنف السلطة في المواقع التي يريدها، وهما أداتان لأطراف متعددة يستخدمان “شماعة”، من أجل القتل والتدمير. لهذا، صعّد النظام من قصفه المخيم وتدميره، وربما يصل الأمر إلى تدميره على بكرة أبيه بحجة داعش، لكن من دون أن يقتل عنصراً من داعش، بل يقتل الشعب، والمقاتلين الذين يقاتلونه، وباتوا يقعون بين فكي كماشة، هو وداعش.
آمل أن تفيق القوى الفلسطينية التي تمالئ النظام، ويفيق من يعتقد أنه يدعم “دولة الممانعة والمقاومة” ضد “المؤامرة الإمبريالية”. فالنظام مستمر في سياسته القديمة، منذ غلْق الحدود أمام المقاومة الفلسطينية إلى مجازر تل الزعتر ودعم تصفية المقاومة في لبنان. فليست فلسطين هدفاً في أجندته، لم تكن، وليست هي كذلك الآن. فالمخيم يدمّر، من أجل تهجير جديد إلى بلاد بعيدة.
العربي الجديد _ وطن اف ام