شن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي هجوما قويا على ما أعلن في لوزان في الثاني من الشهر الحالي. رد فعله يثبت أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق حسب الشروط التي وضعها، قال، لم يحدث شيء في لوزان، وإن المفاوضين قد يحتاجون إلى أكثر من ثلاثة أشهر إضافية، وإن ما جاء في «صحيفة الوقائع» الأميركية غير صحيح، وكأنه يشير إلى أن لا اتفاق قريبا.
كان خامنئي يصر على رفع العقوبات لحظة التوقيع النهائي، وما جاء في الورقة الأميركية، وما كرره الرئيس باراك أوباما، وأصر عليه جون كيري وزير الخارجية، أن رفع العقوبات سيكون على مراحل.
سبب ثورة خامنئي أن إيران تريد القنبلة النووية. لقد أضيف سبب آخر لإصرارها على امتلاك السلاح النووي، فهي كانت تعتبر العالم العربي السنّي «تنابل» كما وصفه أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله في إحدى خطبه الأخيرة أما وقد تحرك هذا العالم الآن غير عابئ بشيء، فمن الطبيعي أن تصر إيران على امتلاك القنبلة.
في الورقة الأميركية، جاء أن التجميد حتى عشر سنوات، وبعدها تستأنف إيران نشاطها النووي، وعدم موافقة خامنئي على «صحيفة الوقائع» الأميركية يدل على أنه يريد القنبلة في وقت أسرع مما هو منصوص عليه.
أيضا إيران لا تريد التفتيش الفجائي في أي مكان وأي زمان. وكان أوباما قال إن نظام التفتيش سيكون بشكل لم يسبق له مثيل، رغم أن الأمور التقنية متروكة للمفاوضات التي سوف تستأنف قريبا. ردت إيران أن منشآتها العسكرية خط أحمر، لأن التصنيع النووي يحدث في هذه المنشآت. من خلال مواقف المسؤولين الإيرانيين طيلة السنوات الماضية، يتوضح أن إيران لن تسمح بإغلاق الباب أمام تصنيعها السلاح النووي، ربما تريد إغلاق باب هنا من أجل فتح أبواب في منشآت أخرى.
أيضا وأيضا لم توافق إيران على البروتوكول الإضافي الذي سيلزمها بقبول التفتيش الدولي الفجائي، قالت إنها ستحيله إلى مجلس الشورى حيث الأغلبية فيه من المتشددين، مما يعني أن المجلس سيرفض البروتوكول الإضافي.
بالنسبة إلى العقوبات الدولية اتهم أوباما الإيرانيين بأنهم تراجعوا عما وافقوا عليه. خامنئي شدد: ترفع العقوبات مع التوقيع. حتى لو أراد أوباما تنفيذ هذا الطلب فإنه لا يستطيع إلغاء العقوبات الدولية مع التوقيع.
وحسب مصدر أميركي مطلع، فإن من أكثر القضايا الموجعة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في الليلة الأخيرة من المفاوضات كانت «صحيفة الوقائع» الأميركية المفصلة ضمن إطار الاتفاق، حيث أصر الطرف الأميركي على أنه يحتاجه لمنع الصقور في الكونغرس من قتل الاتفاقية. ظريف احتج على أن «صحيفة الوقائع» الأميركية لن تساعده في مهمته تسويق أطر الاتفاق في إيران. عندها توافق الوفدان على الحقائق التي تم الاتفاق عليها، وأيضا على حق كل طرف في أن يسردها بطريقته الخاصة، مع التركيز على النقاط المفيدة لبيع الصفقة إلى الرأي العام في البلدين. ويقول أحد الصقور الأميركيين إن تفاصيل الصفقة المزعومة مع إيران التي صدرت عن البيت الأبيض، ووزارة الخارجية، كانت مجرد حيلة خداع لمنع الكونغرس من فرض عقوبات فورية جديدة على الإيرانيين. لكن «صحيفة الوقائع» الأميركية التي جعلت الناس يعتقدون أنها انتصار لا مثيل له، لم تصمد أكثر من 36 ساعة عندما كذبها الإيرانيون.
الكونغرس يطلب أن تعرض الاتفاقية عليه، وطالما يصفها أوباما بالأفضل، فقد يوافق.
خامنئي كرر مرارا على مدى الأشهر الماضية، وعكس التصريحات الأميركية المتفائلة، أن هذه ليست مفاوضات على مرحلتين وأنه لن يكون هناك أي اتفاق مؤقت في نهاية مارس (آذار) يعقبه اتفاق نهائي في نهاية شهر يونيو (حزيران). لكن حسب مصادر مطلعة، فبعد أن أبلغ أوباما الإيرانيين بأن الكونغرس قد يفاقم العقوبات إذا وصلت المفاوضات إلى المهلة المحددة من دون نتيجة، وافق خامنئي على خطوة حذرة ومحددة وضمن الحد الأدنى. لهذا كانت ثورته على «صحيفة الوقائع» الأميركية المفصلة.
بيان لوزان لا يصل إلى مستوى الاتفاق، وأبعد ما يصل إليه أنه يذكر «حلولا من المعايير الأساسية لاتفاق نهائي»، وهذه صيغة غامضة وغير ملزمة، وتحمل عدة تفسيرات. الاتفاقات الملزمة متروكة للمستقبل، إلى الوقت الذي ستوضع فيه مسودة الحل النهائي.
عندما أطلع الأميركيون وزير الخارجية الإيراني على «صحيفة الوقائع» التي أعدوها وصفها بأنها سلعة إعلامية، لاحقا تحدى هو ونائبه عباس عرقجي بشدة وزير الخارجية الأميركي قائلين إنها تتضمن حقائق كاذبة، وانتهى الأمر بإصدار الوفد الإيراني «صحيفة وقائع» خاصة به تحمل حقائق مفصلة جدا، وتشير إلى وجود فجوات كبيرة بين الصحيفتين، مما يعني عدم وجود اتفاقيات بين الطرفين أو أي شيء قريبا منها.
«صحيفة الوقائع» الإيرانية أكدت أن بيان لوزان ليس له تأثير قانوني وليس أكثر من مجرد «دليل تفسيري لتنظيم وكتابة خطة عمل شاملة». هناك اختلافات لا حصر لها بين الصحيفتين، ليس فقط فيما تحتوي كل منهما، بل فيما لا تحتوي، وخلافا لـ«صحيفة الوقائع» الصادرة عن البيت الأبيض، كان الإيرانيون واضحين بالنسبة لأنشطتهم النووية، وبأنها لن تنتهي في كل المنشآت، أو تعلق أو توقف، وأن أنشطة إيران في منشآت «ناتنز»، و«فوردو»، و«اراك» ستستمر، وهذا يتناقض كليا مع ما جاء في «صحيفة الوقائع» الأميركية بأن أنشطة التخصيب ستستمر فقط في منشأة واحدة. ورأت إيران أن البرتوكول الإضافي سيتم تنفيذه «طوعا وبشكل مؤقت» و«كإجراء لبناء الثقة» وسيعرض على المجلس.
الطرفان الآن سيعودان لاستئناف المفاوضات بحجة التوصل إلى اتفاق نهائي، وهذا ما لا يريده خامنئي. هناك من يقول إن أوباما سيستمر، حتى آخر يوم من رئاسته في العمل على منع أي عملية عسكرية ضد إيران، لأنه إذا قاطع الإيرانيون المفاوضات فقد يواجهون مقاطعة أشد أو عملا عسكريا. ويوم الاثنين الماضي التقت وندي شيرمان مسؤولة الخارجية الأميركية المكلفة إدارة المفاوضات، الصحافيين الإسرائيليين في واشنطن حيث قالت: «إن العمل العسكري ضد إيران سيؤخرها سنتين، إذ لا يمكن قصف المعرفة التي صار يملكها الإيرانيون، بينما الاتفاق سيؤخرها 10 سنوات». وترددت شائعات في واشنطن، بأن فاليري جاريت كبيرة مستشاري الرئيس أوباما، ويصفها البعض بـ«توأمه الروحي» ولدت وترعرعت في شيراز، وأن ابنة جون كيري متزوجة بطبيب إيراني في لوس أنجليس.
كل هذا يبقى في إطار الشائعات، لأن المسألة سياسية. ويقول لي مصدر غربي: «إن المفاوضات حول النووي ستكون مسارا هامشيا بالنسبة إلى إيران بعد اليوم، لأن الأساسي هو ما سيحدث على الأرض في اليمن وسوريا والعراق. ما يجري على الأرض هو ما يتحكم بالأمور، وهذا ما يثير الإيرانيين جدا». لهذا تكثر التهديدات الإيرانية ضد السعودية، حيث بدأها خامنئي، ثم جاء تصريح بمثابة تهديد من جانب مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي قال إن «الهجوم على اليمن بداية خطة لتقسيم السعودية وإضعافها والزمن ليس لصالحها» ثم دعا أميركا إلى عدم الكيل بمكيالين!
في حالة اليمن، أميركا إلى جانب السعودية، هذا الموقف فاجأ الإيرانيين. كان خامنئي يردد، على أساس أن العالم العربي نائم ولن يتحرك «بأننا نتفاوض مع الأميركيين حول النووي فقط، وليس حول أي قضية إقليمية أخرى»، متناسيا موقف أوباما في سوريا والدور الأميركي إلى جانب الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق، على أساس أن حساباته كانت تقول إن «أميركا ستترك الشرق الأوسط لإيران». كذلك في حالة اليمن يجب عدم دخول قوات برية إلى داخل الأراضي اليمنية. ليس من حاجة لذلك، من المؤكد أن الحوثيين سيسقطون، إذ لا كهرباء ولا ماء ولا طاقة، وهناك الحصار البحري والبري والجوي، فلتبق القوات السعودية لحماية حدود المملكة. يجب ألا يؤثر موقف باكستان، فلو كان هناك اجتياح بري لكانت هناك حاجة لها. وقد أوضح رئيس الوزراء نواز شريف أن قرار البرلمان الباكستاني ينص على الرد على أي تهديد للسيادة السعودية وللحرمين الشريفين.
يوم الأحد الماضي، وفي دفاعه عن المفهوم الأميركي لما جرى في لوزان قال جون كيري «إن روسيا، وهي ليست حليفة لأميركا، أصدرت بيانا قالت فيه إن وقائع الاتفاق كما عبرت عنه الولايات المتحدة يُعتمد عليه ويتضمن معلومات دقيقة».
يوم الاثنين ظهر «مكر» الموقف الروسي الذي تجاهل الاختلافات بين التفسيرين الأميركي والإيراني، إذ وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على رفع الحظر عن بيع إيران أنظمة صواريخ «إس 300» المضادة للطائرات، فما كان من كيري، الذي وصف روسيا بالدولة غير الحليفة، إلا أن اتصل بنظيره (سيرغي لافروف) الروسي ليعبر عن القلق من قرار موسكو رفع الحظر عن بيع الصواريخ لإيران.
هذا أول الغيث لاتفاق تتمسك به أميركا، التي ستجد نفسها لاحقا متورطة باتفاق مع دولة تدعم الإرهاب ضدها، وهذا سيحدث لا محالة: الميليشيات الشيعية في العراق «حزب الله»، الميليشيات السورية و«أنصار الله» في اليمن!
الشرق الأوسط _ وطن اف ام