يبدو المشهد في كل من محافظة الرمادي العراقية ومدينة تدمر السورية متشابها إلى حد ما. هجوم كاسح لتنظيم الدولة الإسلامية على المنطقتين انتهى بفرار عناصر من الجيش النظامي.
لا يدع هذا التقدم العسكري اللافت أي مجال للتشكيك في قدرات تنظيم الدولة، إذ تبيّن أنها لا تزال كبيرة. وظهر خطأ الحديث الذي راج مؤخرا عن أن التنظيم يعيش فترة من التقهقر الميداني، والتآكل في قدراته المالية والعسكرية وفي تعداد مقاتليه.
ربما ثمة اختلاف في حجم الاستعداد في كلتا المعركتين. إذ لم يباغت تنظيم داعش الجيش العراقي كما فعل العام الماضي عندما سيطر على مدينة الموصل. فقد أعلنت الولايات المتحدة أنها نفذت عدة غارات جوية في محيط مدينة الرمادي خلال أقل من 24 ساعة في محاولة فاشلة منها لمنع سقوطها. أما في سوريا، فقد جاءت سيطرة التنظيم مفاجئة، وذلك بعد أشهر من غياب أخبار التنظيم وتسليط الضوء على حربه في العراق.
شهد تواجد تنظيم الدولة تراجعا نسبيا منذ شروع التحالف الدولي في عملياته بسوريا، وتشكيل فصائل المعارضة السورية تحالفات في كل مكان، ضمت في معظمها جبهة النصرة، وأعلنت تنظيم الدولة الإسلامية عدوا مباشرا. شهدت هذه الفترة انتقال تنظيم داعش لوضعية دفاعية.
غير أن ما حدث في مدينة تدمر كان هجوما كاسحا ومباغتا أعاد تسليط الضوء على قوة داعش في سوريا. ويبدو الهجوم في سياق استراتيجية عامة يتبعها التنظيم، ففي كل مرة ينحسر فيها نشاطه، يقوم بعد فترة من التحضير السري بهجوم كبير على إحدى الأهداف الهامة، ويضع كل ثقله حتى يستطيع انتزاع المنطقة. نجحت هذه الاستراتيجية في كل مرة باستثناء مرة واحدة كانت في مدنية كوباني الكردية. وكان ذلك، وبدرجة كبيرة، بفضل قوات التحالف التي وضعت هي الأخرى كل ثقلها لصد التنظيم، إذ كانت تريد تجنّب ضربة معنوية مبكرة تشكك بفائدة وقدرات هذا التحالف.
التطورات الأخيرة وبقدر ما توضح فشل التحالف الدولي في إضعاف تنظيم الدولة الإسلامية، فإنها تزيد من الشكوك حول مسائل أخرى تتعلق بالكيفية التي واجه فيها النظام السوري تنظيم الدولة الإسلامية في تدمر وتخليه عن المعركة بشكل مبكر.
إن تراجع قوات النظام السوري والقوات الحليفة لها، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن القوات الضاربة قد تآكلت بدرجة كبيرة بعد أكثر من أربع سنوات من القتال.
غير أن شكوكا كثيرة تبقى تحيط بمعركة تدمر على وجه خاص. إذ لا يعرف تماما ما الذي كان مفاجئا، هل هو قوة تنظيم داعش وهجومه الكاسح، أم الانسحاب السريع للنظام السوري. بمعنى آخر، هل أن سيطرة داعش على مدينة تدمر تعود إلى قوته الكبيرة ولضعف قوات النظام، أم إلى سيناريو رسمه النظام يصور فيه نفسه كـ”ضحية” للإرهاب، ليطاب بزيادة الدعم العسكري، بل وبالتنسيق مع الولايات المتحدة في ضرباتها الجوية.
ما يزيد من الشكوك المتعلقة بالسيناريو الثاني هو تصاعد وتيرة النشاط الدبلوماسي المشترك الأميركي- الروسي حول الأزمة السورية، وتصريح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بأن أميركا أدركت أخيرا أن “استبعاد بشار الأسد سيكون مستحيلا وسوف يفاقم من التطرف والإرهاب”. فإن كانت أميركا قد اتخذت فعلا موقفا مشابها، فهل لذلك صلة بانهيار تصنّع النظام حدوثه في تدمر، المدينة الأثرية التي استحوذت على اهتمام العالم.
العرب اللندنية _ وطن اف ام