مقالات

هل ينجح “داعش” في جرّ أوباما إلى مواجهة برية؟

تندفع الولايات المتحدة، يوماً تلو الآخر، الى مزيد من التدخل لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). وتُظهر المؤشرات الصادرة عن الإدارة الأميركية، أن مواجهة التنظيم، التي اقتصرت حتى الآن على توجيه ضربات جوية لبعض مواقعه في العراق، قد تتّسع الى خارج الأراضي العراقية لتصل الى سورية.
ولفت تبدّل نبرة صنّاع القرار في الولايات المتحدة، في أسلوب التعامل مع “داعش” بعد إعلان الاستخبارات الأميركية، أن محلليها أكدوا صحة المشاهد المسجلة لذبح الصحافي الأميركي، جيمس فولي، على يد أحد مسلّحي التنظيم.

تبدّل نبرة صنّاع القرار في الولايات المتحدة في التعامل مع “داعش” بعد التأكد من صحة شريط ذبح الصحافي الأميركي


كما أثار كلام رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي، مارتن ديمبسي، تساؤلات كبيرة حول توسّع الحرب الأميركية على “داعش”، إذ قال إن هناك إمكانية لهزيمة “داعش” إذا تمّت مهاجمتها في سورية، وليس في العراق فقط.
ووسط هذه التطورات، كشف مسؤول أميركي لوكالة “رويترز”، أن “إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وافقت على إرسال 300 جندي إضافي إلى العراق، تلبية لطلب عاجل من السفارة الأميركية في بغداد، لتعزيز الحماية للدبلوماسيين الأميركيين هناك، في حين ساهم ذبح الصحافي الأميركي، في تعزيز موقف الضاغطين على إدارة أوباما، لإرسال قوات برية كافية إلى العراق ومدّ الضربات الجوية إلى مواقع “داعش” في سورية.
وفي الوقت الذي ما زال فيه الرئيس الأميركي، حتى الآن يموضع إحدى قدميه في العراق، ويُبقي الأخرى خارجه، فإن شريط الذبح الذي بثه تنظيم “داعش”، حقق جزئياً الهدف المطلوب منه في استفزاز رئيس معروف بجمود أعصابه، وجعل أوباما، يرفع يداً مرتعشة ليلوّح بها مهدداً بقطع دابر “داعش” والثأر للصحافي القتيل.
وخرج أوباما من منتجعه الصيفي، ليوجّه كلمة قوية ندد فيها بقطع رأس فولي، وموجّهاً عبارة ذات مدلول خاطب بها “داعش” بقوله: “سنعمل ما ينبغي علينا عمله لحماية شعبنا”.
ولم يقل الرئيس الأميركي “سنواصل القصف الجوي على داعش من أجل حماية شعبنا”، ولكنه بقوله سنعمل ما ينبغي أن نعمله، فتح الباب على مصراعيه للتكهن فيما يمكن أن يفعل لمواجهة هذا التنظيم.
ومن اللافت أيضاً أن أوباما، المعروف بمهارته في توظيف العبارات، بما يخدم القضية التي يترافع عنها منذ أن كان أستاذاً جامعياً للقانون في جامعة هارفرد، استخدم كلمة “سرطان” في وصفه لتنظيم “داعش”.
هذا الوصف لم يلجأ إليه أوباما، عبثاً أو للتنفيس عما في صدره بتوجيه الشتيمة لخصم من خصومه الكثر كما كان يفعل سلفه جورج بوش، وإنما أراد منه الدلالة على حقيقة أن السرطان، لا يمكن استئصاله إلا بعمليات جراحية، للربط بأذهان مواطنيه بين هذه الحقيقية والحاجة المحتملة إلى عمليات جراحية ميدانية لإزالة خطر “داعش”، أو على الأقل التمهيد لتقبّل مثل هذا الاحتمال.

وصف أوباما لـ”داعش” بالسرطان يتضّمن تحذيراً صريحاً لدول المنطقة بأن التنظيم مرض قابل للانتشار


والأهم من ذلك أن وصف أوباما لـ”داعش” بالسرطان، يتضّمن تحذيراً صريحاً لدول المنطقة بأن التنظيم مرض قابل للانتشار وصولاً إلى أراضي تلك الدول، وتبعاً لذلك يتحتم عليها أن تساعد أو تشارك في استئصال هذه المرض قبل وصوله إليها.
هذا الأمر شدد عليه أيضاً وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، الذي قال إن “صنّاع القرار في الولايات المتحدة يدركون جيداً مدى الخطورة التي يمثّلها داعش، على المدى البعيد كونه ليس مجرد جماعة إرهابية، بل أخطر من القاعدة وأكبر من أي تنظيم إرهابي عرفه العالم حتى الآن”.
لكن عبارات أوباما، أو إيحاءاته لا تكفي لمعرفة ماذا ينوي فعله على وجه التحديد، ولا ماذا يريد من دول المنطقة أن تفعل بالضبط، ولكن من الواضح أنه واقع تحت تجاذب خطير، بين مجد شخصي استند في بنائه على سياسة الانكفاء، وبين موجات من الضغوط المتصاعدة عليه لإعادة إرسال الجيش الأميركي إلى العراق، بما يخالف حرصه على تجنيب جيش بلاده، الإيغال في حروب خارجية مكلفة.
وجاء بث “داعش” لشريط الذبح الوحشي في توقيت، يكاد ينبئ بأن التنظيم لديه خبراء في السياسة الأميركية، يعرفون تماماً كيف ستكون عليه ردود الفعل، أو أن قيادات “داعش” تشارك عن بُعد في الجدل الدائر في واشنطن بخصوص العراق، وتشارك في الضغوط التي يقودها الحزب الجمهوري، على الرئيس الديمقراطي لتصعيد تدخله في العراق.
وبالطبع يستحيل وجود تنسيق بين قيادات “داعش” وقيادات الحزب الجمهوري، ولكن لا يمكن إنكار وجود مصلحة مشتركة لكليهما في إجبار أوباما، على إرسال قوات أميركية تمنح “داعش” البطولة في مقاومة الاحتلال، وتعيد للجمهوريين الاستثمار الضائع في العراق الذي عوّلوا عليه طويلاً، وتبخّر رويداً رويداً، بسبب سياسة الانكفاء التي تبناها أوباما خلال سنوات حكمه.
ومن آخر الأمثلة على التقاء مصالح الجمهوريين البعيدة المدى مع مصلحة “داعش” القريبة المدى، ما نقلته وكالات الأنباء من تصريحات للسيناتور الجمهوري البارز والمرشح السابق للرئاسة، جون ماكين، الذي اعترف فيها بشكل غير مباشر أن “داعش” نجح في تحقيق ما يريد من الشريط المرعب لذبح الصحفي الأميركي، وقال “إن هذا الفيديو المروّع سيترك أثراً على الشعب الأميركي”.
كما رأى أن “ذبح الصحافي فولي على يد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية، يجب أن يكون نقطة تحوّل، في مداولات باراك أوباما، في كيفية التعامل مع التنظيم”. ويلمّح ماكين، بذلك إلى أن الضربات الجوية في درجة كثافتها الحالية، ليست كافية لاستئصال ما يسميه أوباما، بـ”السرطان”. ويلفت ماكين، بما معناه، أن “السرطان ذاته موجود في سورية، فلماذا لا نحاول أيضاً استئصاله هناك؟”. أو كما ورد في عبارته الأصلية: “يجب توسيع الضربات إلى سورية أيضاً”.
ومثل جميع القادة الجمهوريين وبعض نواب الحزب الديمقراطي، يركز ماكين في تصريحاته على أن الطبيعة الوحشية لـ”داعش” وخطره الداهم، يجبر الولايات المتحدة، على إلحاق الهزيمة به وعدم الاكتفاء بتأديبه.
وبالرغم أن معظم المحللين السياسيين الأميركيين، يستبعدون اتخاذ أوباما قراراً يناقض بشكل كبير سياسة الانكفاء التي يفضّلها، إلا أن هناك حقيقة لا يستطيع أي محلل إهمالها، وهي أن قرار الحرب ليس قراراً اختيارياً في كافة الحالات، بل أن الكثير من الحروب، يفرضها طرف على آخر، حتى لو كان ذلك الطرف هو الأضعف.
وإذا كان تنظيم “داعش” قد نجح في توظيف وحشيته في شريط فيديو لإجبار أوباما، على تصعيد لهجته، فما الذي يمنع هذا التنظيم من استهداف المصالح الأميركية بأسلوب أو بآخر، ما يفرض على ساكن البيت الأبيض تصعيد إجراءاته إلى المواجهة المباشرة؟
يشار إلى أن تنظيم “داعش” وعلى عكس تنظيم “القاعدة”، حرص سابقاً على عدم استفزاز الولايات المتحدة، أو جرّها إلى مواجهات مع مقاتليه، وكان يكرس جهوده لإظهار قوته في اجتياح مناطق واسعة من العراق، ولكن الضربات الجوية الأميركية كانت قاسية على مقاتليه ومربكة على ما يبدو لخططه، فعاد التنظيم مجدداً إلى أسلوب “القاعدة” بتنفيذ أعمال أو التهديد بأعمال لا يهدف منها إلا لوضع المزيد من المبرّرات للقوات الأميركية لخوض مواجهة برية يملك فيها مقاتلوه بعض مقومات النجاح.
وفي الوقت ذاته، جاء توسّع “داعش” المفاجئ والمخيف في العراق وسورية، ليجبر إدارة أوباما، على إعادة النظر في عقيدتها السياسية المعلنة القائمة على توكيل الأنظمة الصديقة وجيوشها، لمواجهة التنظيمات المتطرفة بالتنسيق مع الولايات المتحدة دون توريط الجيش الأميركي في مغامرات برية غير مضمونة النتائج.
وإلى جانب ذلك، ظلّ أوباما طوال سنوات ولايته الأولى والنصف الأول من ولايته الثانية، يعتمد على الطائرات بدون طيار أو المقاتلات النفاثة، لتنفيذ هجمات نوعية على مواقع المتطرفين وقياداتهم أو تحصيناتهم ويتفادى قدر الإمكان الوجود الملموس على الأرض.
ويبقى السؤال المطروح: هل ينجح أوباما المؤمن باستحالة الحل العسكري في العراق، أن يستأصل “سرطان داعش” بأسلوب العمليات الليزرية، أم سينجح التنظيم في جرّ أوباما إلى معركة بسكاكين الجراحة في غرف عمليات غير مهيئة طبياً لإنجاح الاستئصال؟

العربي الجديد 

منير الماوري

وطن إف إم 

زر الذهاب إلى الأعلى