الحقيقة الأولى التي تطالعك في أثناء مشاهدتك حلقات مسلسل “غداً نلتقي” أنك لست بحاجة، بالضرورة، لممثلين بوسامة تيم الحسن، أو بنجومية عابد فهد وجمال سليمان، ليصل عملك إلى عقول الناس وقلوبهم، وأنك لست بحاجة لقصور ضخمة وسيارات فارهة وأحداث تدور في أكثر من بلد، مع ميزانيات هائلة وعدد كبير من الممثلين، ليكون عملك الرقم واحد بين الأعمال المقدمّة. فتسعون بالمائة أو أكثر من مشاهدي “غداً نلتقي”، للمخرج الشاب رامي حنا، تم تصويرها في مبنى قديم من طابق واحد، مؤلف من بضع غرف متجاورة، يسكنها لاجئون سوريون مفترضون، فرّوا إلى لبنان، بعد استعار الحرب الدائرة في بلدهم. لم يأخذ هذا العمل حقّه الكافي على صعيد البروباغندا والتجييش الإعلامي، كما أعمال أخرى، ومع ذلك، يتفق معظم متتبعيه على أن هذا هو أفضل إنتاج لهذه السنة.
في تجربته الكتابية الأولى التي ترى النور، نجح إياد أبو الشامات في بناء شخصياته بطريقة محكمة، بالغة الدلالة والرمزية، فكاريس بشار (وردة) تجسد الفتاة السورية المهزومة بكل جدارة، الفتاة التي خسرت كل شيء تقريباً ما عدا عذريتها (حتى العذرية بالنسبة لها ليست دليل عافية بالضرورة)، يقتلها الخوف والقلق من الرجل والمستقبل والعنوسة والفقر والوحدة والخجل من عملها في غسيل الموتى، تعلّقت بمازن، الطفل اللاجىء الذي تركه أهله وتبنّته، فأصبح يمثل لها الخصوبة والأمومة المفقودة والأمل بالاستمرار، قبل أن تعود وتخسره بدوره، فيما كان جاراها الأخوان اللدودان، عبد المنعم العمايري (محمود) ومكسيم خليل (جابر) يختلفان على كل شيء، فتبدأ نقاشاتهما الحادة والبعيدة عن الابتذال بالموقف من نظام بشار الأسد والثورة ضده، ثم تنتقل إلى ظروف المعيشة، وكيفية تدبّر مصاريفها، لتنتهي دائماً عند (وردة). العبور من العام إلى الخاص يتم بسلاسة، فتكاد لا تشعر به، الترميز هنا لا لبس فيه، فوردة هي سورية التي يتنافس عليها النظام (جابر) والمعارضة (محمود)، حيث تعترف سورية، أي وردة، في أحد المشاهد: “عم انطفي شوي شوي، عم موت شوي شوي” .
في المقابل، يجسد أبو عبدو (عبد الهادي صباغ) ما يعرف بعلم النفس الرجل المخصي، الرجل الذي لم يعد يصلح لشيء، ومطالبة زوجته له بالطلاق تأكيد رمزي لانتهاء دوره عملياً، وتبنّيه المستجد الأفكار المتطرفة والتي تأخذ شكلاً هزلياً، مثل حرقه الكراسي لأن الجلوس عليها فيه تشبّه بالغرب، أو ثقبه بالسكين كرة القدم التي يلهو بها الأطفال في باحة المبنى، بحجة أن كرة القدم لعبة السفهاء، ليست سوى محاولة إظهار أن التطرف هو المرحلة التي تلي اليأس.
إلى ذلك، نجحت الشخصيات الأخرى، كأبي ليلى، الفلسطيني اللاجىء المزدوج والمحارب القديم إبان الحرب اللبنانية الذي يهرب في السكر إلى أمجاد الماضي، وأبو نضال الملّاك الجشع، وإيهاب وخلود وعلاقتهما الزوجية الفاشلة، نجحت في رفد الشخصيات الأساسية، وفي تمتين الحبكة، وبالتالي، بلورة الفكرة الأساسية للعمل، ومحورها اليأس والضياع والهزيمة واللهاث وراء فيزا تحمل اللاجئ إلى بلاد بعيد.
إلى ذلك، نجحت الشخصيات الأخرى، كأبي ليلى، الفلسطيني اللاجىء المزدوج والمحارب القديم إبان الحرب اللبنانية الذي يهرب في السكر إلى أمجاد الماضي، وأبو نضال الملّاك الجشع، وإيهاب وخلود وعلاقتهما الزوجية الفاشلة، نجحت في رفد الشخصيات الأساسية، وفي تمتين الحبكة، وبالتالي، بلورة الفكرة الأساسية للعمل، ومحورها اليأس والضياع والهزيمة واللهاث وراء فيزا تحمل اللاجئ إلى بلاد بعيد.
“غداً نلتقي” هي الحكاية المهزلة، الحكاية التي أريد لها الجد كل الجد، فأحدثت الهزل كل الهزل، ولأننا لا نستطيع أن نضحك من إخفاق آمالنا، يقول إبراهيم عبد المجيد، الروائي المصري الكبير، فإننا نبكي، تخدعنا دموعنا عن الحقيقة، ونتوهم أن الحكاية مأساة، وهي، في الحقيقة، مهزلة كبرى.
المصدر : العربي الجديد