مقالات

سديم بخاري – قصف الولايات المتحدة لداعش سيزيد من قوتها

في أكبر عملية عسكرية لها في سوريا، قامت الولايات المتحدة هذا الشهر بإطلاق ما لا يقل عن ١٦ ضربة جوية تستهدف بها داعش في مدينة الرقة، قُتل ١٠ مقاتلين على الأقل وجُرح أخرون، قال متحدث عسكري أمريكي، ثوماس جيلران، أن العملية كانت “من أكبر العمليات المتعمدة” التي شنتها الولايات المتحدة في سوريا، وقال أن الضربات الجوية سوف يكون لها “أثر في إضعاف داعش وقدرتها على الحركة”، وأكد أوباما أن العملية ستكون طويلة المدى، وتحدث عن أكثر من ٥٠٠٠ ضربة جوية ضد داعش في العراق وسوريا وشمال أفريقيا، وشجع على إنشاء قوى محلية تحافظ على التقدم الذي تحرزه الولايات المتحدة في مواجهة داعش.

وفي العام الماضي نشأ تحالف من أكثر من ٤٠ دولة بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة داعش في العراق وسوريا، كان من ضمن هذه الدول من شارك بشن ضربات جوية ومن شارك بإرسال معدات عسكرية، بينما شارك بعض أخر بإرسال مساعدات إنسانية، من ضمن من شارك بالضربات الجوية الأردن والبحرين اللتان قامتا بقصف عدد من مناطق داعش في سوريا، والسعودية والإمارات  اللتان شاركتا في القصف الجوي في سوريا بشكل مكثف، فرنسا أيضاً شاركت في القصف في العراق إلى جانب بريطانيا، أما الدول التي شاركت بإرسال مساعدات عسكرية فكان من ضمنها ألمانيا التي قامت بإرسال معدات عسكرية للمقاتلين الكرديين بالإضافة إلى تدريبهم، وكندا التي قامت بإرسال معونات عسكرية للعراق.

واستمرت عمليات القصف حوالي ٦ شهور أُطلق فيها أكثر من ١٢٥٠ ضربة جوية، وحسب ما أعلنته صحيفة الاندبندنت فقد قُتل حوالي ألفي مقاتل من داعش، بينما وصلت حصيلة الضحايا من المدنيين إلى ما لا يقل عن ١١٨ قتيل، وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فقد انضم ١٦٢ مقاتل لداعش خلال العشرة أيام الأولى للقصف.

فهذا التحالف الذي يضم عدد كبير من الدول جميعها لديها مقدرات عسكرية أعظم من مقدرات داعش لم يتمكن من القضاء على داعش بل أحدث العكس تماماً، فداعش اليوم أقوى وأوسع من قبل، واليوم تسيطر داعش على ٥٠ بالمئة من الأراضي السورية من ضمنها مناطق حقول النفط والغاز في تدمر التي تم الاستيلاء عليها حديثاً، وامتدت خارج العراق وسوريا لتصل إلى أفغانستان وليبيا والجزائر واليمن.

وأي ضربات جوية ستكون نتيجتها عكس ما يُروج له تماماً، حتى إن بدا أن هناك بعض التقدم بقتل البضع المئات من المقاتلين أو تحرير بعض المناطق من سيطرة داعش، لن تستطيع الولايات المتحدة القضاء على داعش بالقصف المستمر، ولا ينبغي أن تكون هذه السياسة المتبعة لمواجهة داعش.

وقد كانت هذه السياسة المتبعة من قبل الولايات المتحدة منذ أكثر من ١٠ سنوات والتي لم يحدث يوماً أن ساهمت في الإصلاح وكل ما نتج عنها هو مزيد من القتل والخراب، وأبرز مثالين على ذلك الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، ففي عام ٢٠٠١ قامت الولايات المتحدة بغزو أفغانستان بهدف القضاء على القاعدة، وقبل ذلك الغزو كانت القاعدة ما تزال غير معروفة بشكل كامل، عدا بعض الهجمات العشوائية على مواقع أمريكية لم تشكل القاعدة أي خطر حقيقي، ولكن بعد غزو أفغانستان والعراق أصبحت القاعدة أحد أهم الجماعات الإرهابية في العالم، وهو الأمر الذي كان متوقعاً، فبعد غزو أفغانستان انتشرت رسالة بن لادن لملايين الأشخاص، وازداد عدد المنضمين إلى القاعدة، واليوم لم يتم القضاء على القاعدة بل حصل عكس ذلك فالقاعدة الأن منتشرة في أنحاء العالم العربي في العراق وسوريا والمغرب وليبيا واليمن.

وقبل غزو العراق لم يكن للقاعدة أو أي جماعة إرهابية أثر داخلها، إلا أن الغزو أدى إلى تحويل العراق إلى ملجأ للإرهاب تتركز فيها وتنشأ منها الجماعات الإرهابية، بل زاد الإرهاب سبعة أضعاف في العراق بعد الغزو، كما أحيت الحرب النداء للجهاد العالمي الذي كان في انخفاض قبل أحداث ١١ سبتمبر، وارتفعت نسبة الانضمام للقاعدة حتى قبل بدء الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان.
وحصل مثل ذلك في ليبيا عندما تدخل حلف الناتو لمساعدة الثوار في الإطاحة بالقذافي، كما زعم، ورغم أنه تم التخلص من القذافي إلا أنه في مقابل ذلك تحولت ليبيا إلى ملجأ للإرهاب كما في العراق، وانتشرت المليشيات والجماعات الإرهابية في ليبيا وامتد أثرها إلى المناطق المجاورة في مالي ونيجيريا والصومال.

فأي تدخل عسكري أجنبي لن يساعد في القضاء على داعش، وأقصى ما يمكن تحقيقه هو قتل بضع المئات أو بضع الألوف من المقاتلين وهو الأمر الذي لن يفيد لأن في مقابل ذلك يتم تجنيد المئات الأخرى من المقاتلين، ويصبح القصف حافزاً للانضمام إلى داعش كما حصل مع القاعدة، فالشعوب العربية تعارض التدخل الأمريكي وتعي جيداً النوايا الحقيقية للولايات المتحدة وحلفائها، ولذلك فأي تدخل أمريكي سوف ينمي من الشعور بالغضب والكره اتجاه الولايات المتحدة.

سياسة التدخل العسكري لم ينتج عنها سوى مزيد من الزعزعة لأمن المنطقة، يدعي رؤساء الدول الكبرى أن الهدف من التدخل هو القضاء على جماعة إرهابية، أو مساعدة الشعب في التخلص من النظام الدكتاتوري، وحقيقة الأمر أن هذه مجرد شعارات مزيفة يختبئون خلفها لتحقيق مصالحهم في المنطقة، هذه المصالح التي غالباً ما تكون مرتبطة بحقول النفط والغاز، ولذلك نرى أن جميع التدخلات العسكرية إنما تكون في مناطق لها أهمية ويمكن استغلال الوضع المتردي فيها لتحقيق المصالح، ولو كانت هذه التدخلات العسكرية “إنسانية” فعلاً لكانت الدول الأفريقية أولى بها من الدول العربية.

وتكرر الولايات المتحدة نفس الخطأ اليوم بالتدخل العسكري في سوريا والعراق، وما يحدث في الواقع هو أن القصف الذي قد يقضي على بضع المئات من المقاتلين يقضي إلى جانب ذلك على المئات من المدنيين ويدمر الكثير من المناطق، ولذلك فإن المدنيين الذين يتعرضون للاضطهاد من قبل داعش لا ينظرون إلى الولايات المتحدة أو أي حليف أخر يقوم بالقصف على أنه يقوم بمساعدتهم بل على أنه يقوم بزيادة الوضع سوءاً، فإذا كان الشعب السوري يتعرض للقصف من قبل نظام بشار الأسد، وإلى جانب ذلك هناك داعش التي تعيث في الأرض فساداً في كل منطقة تقوم بالسيطرة عليها، فإن أخر شيء سيقوم بحل الأزمة السورية هو مسلسل أخر من القصف المستمر.

أياً كان الهدف الحقيقي للتدخل الأمريكي في سوريا فإنه لن يساعد في القضاء على داعش بل قد يحدث العكس، وعلى المجتمع العربي أن لا يسمح بمزيد من التدخلات العسكرية الأمريكية في المنطقة والتي لم تساهم في شيء سوى زيادة الهيمنة الأمريكية وبسط النفوذ الأمريكي في العالم العربي، بل يُخشى أن يتسبب هذا القصف بعواقب لا يقتصر أثرها على سوريا والعراق فقط بل على المنطقة بأكملها.
لم يحدث مطلقاً أن كان أي تدخل عسكري من الولايات المتحدة فعالاً، لا تحتاج العراق تدخلاً أمريكياً أخر فهي ما زالت تعاني من عواقب التدخلات السابقة الذي راح الشعب العراقي ضحيتها، ولا يحتاج الشرق الأوسط إلى تدخل عسكري أمريكي جديد في سوريا لن ينتج عنه سوى مزيد من الخراب والدمار، وعلى الولايات المتحدة أن تتعلم أنه لا يمكن إنقاذ بلد عن طريق تدميرها، إذا كان الإنقاذ هو ما تنويه فعلاً.

المصدر : نون بوست 

زر الذهاب إلى الأعلى