صحيح أن ما يجري على الحدود التركية السورية هو شأن وطني تركي خالص، وقرار لا يخص حزب الحرية والعدالة لكنه في شق منه هو أيضًا شأن حزبي انتخابي عميق. إن السؤال عن مصير المكاسرة بين الدولة الإسلامية “داعش” وتركيا التي بدأت، يتبعها أيضًا سؤال آخر عن مصير سمعة تيار أردوغان في تركيا بعد تلك المكاسرة.
بعد أكثر من أربع سنوات على ما يشبه الصمت بين الدولة التركية و”داعش”، قرر المسؤولون الأتراك القيام بعمل عسكري قوي ضد تنظيم داعش، بعد الهجوم الإرهابي في سورج مؤخرًا والذي أودى بحياة 32 شخصًا. الضربة التي وجهها الطيران التركي شكلت إعلانًا عن تغيير في سياسة تركيا تجاه التنظيم. الملاحظ أن سبب الضربات الجوية التركية لا يعود إلى الهجوم الإرهابي على سورج؛ بل إلى الخطر الذي تتعرض له تركيا على طول الحدود مع سوريا والذي بدأ يهدد أراضيها.
فبعد أيام فقط من الهجوم على سورج، فتح عناصر من داعش النار على القوات التركية المرابطة على الحدود؛ نتج عنه رد عسكري. كما جاء هذا أيضًا بعد عام من المفاوضات مع الحليف الأمريكي من خلال لقاءات دبلوماسية تكثفت في الأسابيع الماضية هدفت للدفع بدخول تركيا إلى التحالف ضد داعش.
إذن؛ دخلت أنقرة رسميًا في الحرب ضد داعش، وبدأت طائراتها تضرب في شمال سوريا والعراق وثمة تسهيلات واسعة مُنِحت للطائرات الأمريكية لاستخدام القواعد التركية في هجماتها ضد أهداف التنظيم، ناهيك عن حملات الاعتقالات والمداهمات من قبل الشرطة التركية والتي طالت المئات من المشتبه بهم.
قبل أربع سنوات اتُهمت تركيا بتقديم تسهيلات لوجستية لعناصر الدولة وإدخالهم إلى سوريا عبر أراضيها، ووقتها بدأت لحظة مكاسرة معلنة بين الجانبين؛ أحد أسبابها تضييق تركيا الخناق على مناصري الدولة ومنعهم وتسليمهم إلى سلطات بلادهم. وعليه؛ من يراقب التحركات العسكرية لتنظيم الدولة يدرك أن مثل هذا التحرك تجاه تركيا في هذا الوقت لم يكن مفاجئًا.
لقد اتبع عناصر الدولة هذا التكتيك العسكري طوال الوقت في الأراضي السورية باستغلال الخاصرة الأضعف (للعدو) المشغول عنها، وبهذا تمكنت من السيطرة الجغرافية على مساحات واسعة من الأراضي السورية.
وتبع ذلك هجوم لمناصري الدولة غير مسبوق على علمانية تركيا في تأصيل شرعي لما تقوم به.
لا يحتاج مناصرو تنظيم الدولة التأصيل الشرعي (لكفر أردوغان)، وهو يوم أعلن الحرب على التنظيم رد عليه أنصار “الدولة” بالقول: لتكن الدولة رقم 61 بدلًا من 60 فما يضير مشروع الدولة إضافة عدو آخر.
بهذا المنطق تذهب التحليلات العسكرية والسياسية لأنصار الدولة المبنية أساسًا على تفسيرات دينية لما يعتقدونه. لكن، الأمور في أرض الواقع لا تسير وفق هذا؛ فتنظيم الدولة بعد إعلان تركيا الحرب عليه لن يكون بأي حال هو ذاته بالانتصارات التي يحققها، كما كانت الأمور قبل ذلك. وبنفس الوقت لا يمكن استثناء حقيقة الموقف التركي الحالي من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، على اعتبار أن تركيا التي باتت تحت ضربات التنظيم، تريد أن تصفي حساباتها المفتوحة أيضًا مع “المسألة الكردية”؛ إذ يُستشف من تصريحات المسؤولين الأتراك هذا السلوك؛ لأنهم اعتبروا كلًا من عناصر الدولة “داعش” وحزب العمال الكردستاني واليسار التركي المسلح، بأنهم إرهابيون.
ما يمكن قوله في هذا السياق، إنه رغم التضييق التركي على أنصار الدولة الراغبين في الانضمام إليه في سوريا والذي كان قد بدأ قبل فترة؛ إلا أنه اليوم سيزداد مع نشر الجيش التركي لقواته العسكرية على الحدود مع سوريا، والعراق معًا. وهو ما يعني مزيدًا من التضييق على عناصر الدولة، وإذا ما أضيف إلى ذلك حالة الاستنزاف التي سيعاني منه التنظيم بعد إعلان الحرب عليه من جيش مثل الجيش التركي؛ فهذا سيعني الكثير.
لكن، ما ستواجهه الاستراتيجية العسكرية التركية خلال حربها على تنظيم “الدولة” هو إدراكها لحجم الدول الإقليمية والدولية الراغبة في إضعافها؛ فأردوغان اليوم يقف على مفترق طريق حقيقي سيكون من الصعب عليه اختيار الحرب (حتى آخر مغامرة)، خاصة وأن ما هو مقدم عليه سيكون له ما بعده على مشروع حزبه الإسلامي في تركيا. فما لا يرغب به الرئيس التركي هو خسارة الإنجازات التي حققها في السلم وقت الحرب.
المصدر : صحيفة التقرير