مقالات

محمد كريشان – الجملة الفضيحة في خطاب الأسد

جملة غير مسبوقة من رئيس دولة عن بلده أيا كان موقعه على خارطة هذا العالم. 

مهما حاولت أن تبحث عن معان أو رسائل أو مواقف في خطاب الرئيس السوري الأخير فلن تجد ما هو أهم أو أخطر من قول بشار الأسد إن “سوريا ليست لمن يسكن فيها أو من يحمل الجنسية السورية بل لمن يدافع عنها”.

حين تبحث عن هذا الكلام في سياق ما أوردته مواقع وصحف بارزة موالية لنظام الأسد تفاجأ بأنها جميعا أهملته تماما وكأن الرجل لم ينطق به أصلا!! هل هي صدفة؟! 

يستبعد ذلك مبدئيا، لأنه من الصعب تصور ألا يلتقط موقع قناة “الميادين” الإلكتروني ولا جريدة “السفير” البيروتية، ولا زميلتها “الأخبار” على الإنترنت جميعهم أهمية هذه الجملة التي لفتت انتباه أغلب المراقبين في العالم، لتميزها المفرط عندما تخرج على لسان رئيس دولة عن بلده المناط به الدفاع عنه. 

جملة تفيد عمليا بأن الرئيس لا مانع لديه من “تلزيم” الدفاع عن نظامه، وليس بلده في واقع الأمر، لمجموعة دول وجهات أجنبية مقابل أن يسحب هو الوطنية ببساطة ممن ارتأوا معارضته، التي كلفتهم النزوح أو اللجوء، إذا ما كانوا محظوظين ونجوا من براميله المتفجرة القاتلة.

تنظر في موقع “الميادين” فتراه يحوم حول إشادة بشار بمن وقفوا معه طوال هذه الفترة، دون أن تكرر ما قاله من جملة غريبة ومثيرة. 

أورد الموقع أن الرئيس السوري “شكر كل الدول التي وقفت إلى جانب سوريا، ولا سيما إيران التي أكد أنها ساهمت في صمود الشعب السوري، وقدمت الدعم بخبراتها العسكرية كما وجه الشكر للمقاومة اللبنانية (إسم “الشهرة” لحزب الله!!) التي قاتلت إلى جانب الجيش السوري”. 

أما “السفير” فلم تورد، بعد غزل الأسد الكبير بما وصفه صمود إيران، واعتبار اتفاقها النووي الأخير انتصارا لذاك الصمود، سوى شكره إيران و”الصديقة روسيا والصين الوفية”، مضيفا: “شكرا من القلب للمقاومة اللبنانية التي بادلتنا الوفاء بالوفاء والدم بالدم”. 

الرئيس السوري ذكر، كما تواصل الصحيفة، الدول التي “وقفت موقفا منصفا تجاه ما يحصل في سوريا”، مثل دول “البريكس”، إضافة إلى إيران التي “قدمت الدعم الاقتصادي والعسكري والسياسي.. انطلاقا من أن المعركة ليست معركة دولة أو حكومة أو رئيس، بل هي معركة محور متكامل”. 

الدعم أيضا قدمته روسيا “التي شكلت مع الصين صمام الأمان الذي منع تحويل مجلس الأمن إلى أداة تهديد للشعوب.. وهي أطلقت عددا من المبادرات البناءة”.

أما “الأخبار” فاختارت من كلام الرئيس السوري ما يحوم حول هذا المعنى، دون أن تقع في “محظور” ذكر الجملة إياها، مستعرضة قول الأسد: “إن جيوشا أخرى أتت من دول من خارج سوريا لتساعد الجيش السوري. طبعا هم يقصدون في هذه الحالة إيران، ولكي أكون واضحا فإن إيران الشقيقة قدمت حصرا الخبرات العسكرية. وأما أخوتنا الأوفياء في المقاومة اللبنانية فقاتلوا معنا وقدموا أقصى ما يستطيعون وصولا للشهداء”.

إن إغفال كل وسائل الإعلام “الممانعة” هذه مجتمعة عن ذكر الجملة المفصلية إياها للرئيس الأسد التي فصل على مقاسه تماما من ينتمي إلى الوطن، ومن لا ينتمي إليه، إغفال من الصعب جدا إرجاعه إلى محض الصدفة أو مجرد إهمال في التقاط المفيد والمهم في خطابه. 

الأرجح، ما لم يكن هناك ما يمكن أن ينشر في الأيام المقبلة ليفند ذلك، أن هذه الوسائل، التي عرفت دائما بالعزف ذاته على المقام السوري والإيراني في شؤون المنطقة والعالم، ارتأت عدم نشر تلك الجملة عن وعي كامل وقرار واحد، إما لتدخل من الجهات السورية التي “تمون” عليها أو لأنها رأت، بحسها السياسي والمهني الذي لاشك فيه، أن الجملة تستحق التخبئة والتمويه عليها ببقية كلام الأسد الإنشائي الطويل.

من أجمل ما كُتب عن الأهمية الخطيرة المضاعفة لجملة الأسد، المغيبة من قبل كل هؤلاء، ما كتبه صحفي سوري مهاجر قارن بين ما قاله محمد الجولاني زعيم “جبهة النصرة” وما قاله الأسد. 

الأول قال في مقابلته التلفزيونية الأخيرة إن الغرباء في تنظيمه “خط أحمر دونه دماؤنا”، وكذلك يرى تنظيم “الدولة الإسلامية” ومن هو على شاكلتهما، أما الأسد فكل ما قاله بحسب الصحفي ذاته “هراء يعرفه القاصي والداني. هو خرج فقط على من يحتج على وجود الغريب الإيراني، ومن لف لفه، ليقول إن الوطن لمن يحميه أيا كانت جنسيته”.

وعندما يلتقي الأسد ومن يحاربونه عند هذه النقطة، رغم كل ما يفرقهما، تدرك جيدا لماذا أخفيت هذه الجملة، لأنها ببساطة.. فضيحة.

لذلك مكافحة الإرهاب تكون “بالسياسات العاقلة المبنية على العدل واحترام إرادة الشعوب في تقرير مصيرها وإدارة شؤونها واستعادة حقوقها”.

المصدر : القدس العربي 

زر الذهاب إلى الأعلى