مقالات

عبد الناصر القادري – أحرار الشام : من أخوة المنهج إلى أخوة الثورة

بداية: الأحرار في لمحة

مع بداية الثورة المسلحة ضد نظام بشار الأسد مطلع العام 2012 بدأت تظهر كتائب جديدة على الساحة السورية، لم يتوقع أحد أن تصل إلى حركات أو فصائل أو كتل ذات حجم كبير أو ثقل سياسي مؤثر، حيث إنّ السوريين اعتادوا على مناداة أي مسلح يقاتل النظام بأنه “جيش حر”، وهي كلمة أصبحت مع الزمن مطاطة وغير واضحة المعالم بسبب التفكك والأيديولوجيا وعدم وجود قيادة موحدة وإستراتيجية عمل مترابطة.

تأسست كتائب أحرار الشام في 11 نوفمبر / تشرين الثاني 2011 بقيادة حسان عبود (أبو عبد الله الحموي)، وكانت منتشرة في أنحاء كثيرة من سوريا منها؛ ريف حماة وريف دمشق وريف إدلب، وبدأت بشكل مختلف عن الكتائب والفصائل الأخرى فكانت منظمة وتتخذ هيكلية عمل محددة، وهو ما ساهم في استمراريتها، ودفع كتائب وألوية للالتحاق بها. كما أنها وضعت منطلقات هوياتية تحدد أهدافها وهي دفع الصائل ورد المعتدي، وهي الهوية الأساس للسلفية الجهادية، والتي تميز قادتها بأنهم نخبٌ سلفية خرج معظمهم من سجن صيدنايا العسكري، والتي تلتقي فيها مع جبهة النصرة، وجبهة أنصار الدين، و تنظيم الدولة (داعش). وبمرور الشهور، واستقطاب مزيد من الكتائب والفصائل، ازداد نفوذ حركة أحرار الشام وتوسع انتشارها لتبلغ أغلب الجبهات في سوريا، وكان تأثيرها متباينًا بين منطقة وأخرى، كما أنها بلغت مراحل متقدمة من القوة بُعيد تحريرها لمدينة الرقة، حيث كانت الفصيل الأكبر المشارك في تحريرها.

أخوة المنهج:

في 9 أبريل/ نيسان 2013 أعلن أبو بكر البغدادي حل جبهة النصرة وإعلان قيام الدولة الإسلامية في العراق والشام. رد الأحرار على إعلان الدولة ببيان جاء فيه “أن هذه الخطوة من شأنها (أقلمة الصراع) وتمثل ابتعادًا عن أولوية إسقاط النظام، التي لا شيء بعد الإيمان أوجب منها ولا شيء يقدّم عليها، وأنها شكلٌ من أشكال فساد الوضع، حيث إن إعلان البغدادي لم يجمع المتفرّقين ولا ألّف بين المتنازعين، مع التأكيد على أن قيام دولةٍ إسلاميّةٍ راشدةٍ تقيم العدل والقسط بين رعايانا هدفٌ نسعى إليه بوسائل مشروعةٍ، ونراعي في ذلك مقتضيات الوضع وحالة الأمة المغيبة عن دينها في هذا البلد طوال نصف قرنٍ من الزمان “. تزامن ذلك، مع تعيين الظواهري لمحمد بهايا -المعروف بأبي خالد السوري- أحد مؤسسي حركة أحرار الشام، حكما بين الإخوة الأعداء. لكن هذه الوساطة لم يكتب لها النجاح، فاتسع الصراع بين إخوة المنهج، وبدأ يطال المزايدات في الخطاب الأيديولوجي حتى وصل إلى التكفير والاتهامات بالردة التي وصلت إلى أوج الراديكالية المتوحشة، وهو الخط الذي تبناه داعش. وعلى الرغم من قيام التنظيم باغتيال العديد من قادة الأحرار، والتمثيل في جثث بعضهم فإن الحركة حرصت بداية على ضبط النفس مع المطالبة بمحاكم شرعية مستقلة، ثم دخلت في مواجهة شاملة مع التنظيم بعد تأسيس الجبهة الإسلامية نهاية عام 2013، والتي ضمت فصائل ذات توجهات مختلفة عنها مثل جيش الإسلام (السلفية العلمية)، ولواء التوحيد (القريب من الإخوان)، وانتهت بانسحاب التنظيم من معظم مناطق سوريا. المفارقة أن الحركة أمنت انسحاب مقاتلي داعش من ريفي إدلب واللاذقية بحجة أخوة المنهج. لكن هؤلاء وبمجرد وصولهم إلى الرقة قاموا بإعدام أكثر من 100 مقاتل تابعين لها. كما نجح التنظيم في اغتيال مؤسسها، القيادي والرمز الجهادي، أبو خالد السوري بتفجير انتحاري نفذ في 23فبراير / شباط 2014. أرست المواجهة مع داعش معطيات جديدة، وبدأ التحول في الخطاب السلفي الجهادي للأحرار نحو انفتاح أكبر على الشعب والكتائب الأخرى من قبل حركة أحرار الشام الإسلامية، وهو ما ظهر في تغريدات قادتها في موقع تويتر (الفضاء الجهادي المعروف)، حيث كتب حسان عبود “أنا مسلمٌ وكفى فمنذ أن اختزلت الأمة في الجماعة دبت الحمية الحزبية في من ظن أنه الطائفة المنصورة وصفوة الخلق ومجتبى الحق”، وكانت هذه بدايات هدم شعار أخوة المنهج في أدبيات حركة أحرار الشام.

أخوة الثورة:

بدأت الحركة بمراجعات موسعة وخصوصًا من قبل قيادات الصف الأول، حيث إن القيادي أبو يزن الشامي كان من أكثر القيادات كتابةً في هذا الشأن، وكان لديه دروس ومحاضرات يلقيها في حلب ومما كتبه في لفتة جريئة “نعم أنا كنت سلفيًا جهاديًا، وحبست على هذه التهمة في سجون النظام. واليوم أستغفر الله وأتوب إليه وأعتذر لشعبنا أننا أدخلناكم في معارك دونكيشوتية كنتم في غنى عنها. أعتذر أننا تمايزنا عنكم يومًا، لأنني عندما خرجت من السجن الفكري الذي كنت فيه واختلطت بكم وبقلوبكم، قلت صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق عندما قال: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم)، أعتذر منكم أعتذر، وإن شاء الله قابل الأيام خير من ماضيها لثورتنا و لإسلامنا”.

كانت تلك الصحوة مؤثرة للغاية في صفوف الحركة والثورة السورية أيضًا، حيث إنّ المراجعات لم تكن ابتعادًا عن الهوية السلفية الجهادية بقدر ما هي تقرب من الثورة السورية، خصوصًا أن محلية الأهداف والاقتناع بوطنية الدولة القادمة اعتمادًا على الواقع والمعطيات وتقاسمها مع الآخرين أمرٌ  لا بد منه.

يظهر أثر المراجعات على قيادة الحركة بتبنيهم لميثاق الشرف الثوري، والذي يدعو جميع القوى والفصائل العسكرية ضمن هدف واحد وهو إسقاط النظام ووضع الحزبية والأيديولوجيا على جنب. وفي هذا السياق، غرد قائدها السابق قائلًا: “إن لكل ثورة أطوارا تمر بها، ومن الطبيعي أن تتبلور بعض الرؤى عند بعض الجماعات ثم تسعى لتحقيق الغاية منها، وهي إنهاء عهد التجبر والتغطرس الذي أذاق الناس ألوان العذاب، ثم يأتي بعده الهدف التالي وهو المشروع السياسي الذي تم الإعلان عنه”. وقد هوجمت الحركة بتبنيها لهذا الميثاق من قبل منظري السلفية الجهادية، ومن قبل جبهة النصرة، زاد من وتيرته انفتاح الحركة وإعجابها بتجربة حماس أثناء العدوان الأخير على غزة.

أواخر عام 2014 مرت أحرار الشام بأقسى أيامها منذ نشأتها، فقد أودى انفجار  في المقر بحياة خمسين قيادي من قادة الصف الأول والثاني فيها، ولكنها تعافت بشكل سريع من مصابها وأعلنت قيادة جديدة ومجلس شورى لينتخب فيها أبو جابر هاشم الشيخ قائدًا عامًا للحركة، والذي كان من أكثر المتحمسين لقتال تنظيم داعش وأول من قاتله في مسكنة بريف حلب. استطاعت الحركة أن تتابع نهج قادتها السابقين بالاقتراب أكثر من صف الشعب وثورتهم من خلال مشاركتها في مشروع “واعتصموا” والذي بنى إلى مجلس قيادة الثورة السورية واعتماد مبادئها والدفاع عنها واتخاذ علم الثورة ممثلًا لها. كما أنّ الحركة اتخذت شعارًا جديدًا لها هو (ثورة شعب) إثر تحولاتها الجديدة وانضمام فصائل كبرى لها مثل لواء الحق والجبهة الإسلامية الكردية، وألوية صقور الشام بشكل كامل في صفوفها، وهو ما جعلها القوة الأكبر والأشد تماسكًا على طول الخريطة السورية.

خاتمة: فن الممكن

يقال إن السياسة هي فن الممكن، ولم تُوضع السياسة ضمن هذا الإطار  إلا بتحقق شيء ما من ذاك الممكن وبذل تضحيات كبيرة جدًا في سبيل اللعب بمهارة في ميدان هذا الفن، مرت الحركة بعدة أطوار أثّرت مباشرة في تركيبها، واستطاعت المراجعات التي أجراها قيادات الصف الأول والمؤسسون، والتي تعتبر الطور الأولي والأهم في مسيرتها، وبعد مقتلهم استطاع الصف الثاني من إيلام الجراح بسرعة كبيرة وتقديم صالح الحركة على العواطف ومتابعة المراجعات التي بدأها القادة “الشهداء”. وصلت الحركة اليوم إلى الطور الثاني وباشرت ممارسة السياسة بعد اقتصارها على بيانات لا تحمل البعد السياسي أكثر مما هي خطابات ثورية بطابع ديني (كعادة السلفية الجهادية والتنظيمات الناشئة وعدم اكتراثها بالواقع السياسي الدولي والإقليمي).

تطرح الحركة اليوم خطابًا سياسيًا متزنًا شديد الوضوح بما يتناسب ومطالب الثورة السورية، وليس أحلام التنظيمات وخيال الحركات، وقدمت عبر مسؤول العلاقات الخارجية لها (لبيب النحاس) عبر مقالتين في الواشنطن بوست الأمريكية، والتلغراف البريطانية، مشروع الحركة القادم واقتصاره على الحدود السورية، وحقوق السنة الأكثرية مع عدم هدر حقوق الأقليات، في وقت يُخير به الشعب السوري بين الاستبداد وإرهابه والتطرف وإجرامه.

وتمر الحركة بنقد شديد اللهجة من منظري التيارات الجهادية، مثل أبو قتادة الفلسطيني والذي وصف المقالات بالفاشلة، معتبرًا أن الحركة ستصل “لتوريط مستقبلي خبيث، وهو أنها مستعدة لمقاتلة التيار الجهادي كله مقابل قبول أوراق اعتماد”. فيما ردّ هاشم الشيخ (أبو جابر) القائد العام للحركة على تلك الانتقادات بتغريدات على موقع التواصل الاجتماعي تويتر “حركة أحرار الشام الإسلامية، سياسيا حركة ودينيا إسلامية وبتلازمهما صرنا أحرارا”، كما وضح أن “السياسة بلا دين علمانية لا توافق هويتنا والدين بلا سياسة رهبانية ابتدعها من عجزت فهومهم عن إدراك كليات الدين ومقاصده”، وطالب الشيخ بـ”ارتقاء بالخطاب التقليدي لمستوى الهدي النبوي في إيصال ما نريد على قدر فهوم الآخرين وبإدراك مستفيد من تدافعهم البيني”.

وبذلك تمكنت حركة أحرار الشام الإسلامية من بناء منظومة جديدة ضمن الخطاب السلفي (الوطني) والثوري أيضًا ترفض مشروع القاعدة في سوريا وتعتبره وبالًا على الشعب السوري كونه يعطي مبررات للمجتمع الدولي للوقوف في وجه ثورته وهذا لا يعني عدم التعاون مع جبهة النصرة فيما يخدم مصلحة الثورة ككل من إسقاط النظام السوري مثل غرفة عمليات (جيش الفتح)، كما أنّ الحركة تقاتل تنظيم داعش، وتُوجد بديلًا سنيًا معتدلًا له حضوره في المجتمع السوري ولا يلغي دور الأقليات ويستطيع أن يمارس السياسة ضمن البيئة التي خرجت منها الثورة.

ومؤخرًا استطاعت الحركة في خطابها الثوري أن تعطي تركيا في حملتها العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني وداعش، مبررًا لدعمها في إزاحة تنظيم الدولة (داعش) من ريف حلب الشرقي حتى الرقة وإدراة تلك المناطق، والتخلص من حلم الدولة الكردية على حدود تركيا بوجود حركة إسلامية ذات قوة على الأرض، وتتسم بالوطنية والاعتدال، مع عدم التخلي أبدًا عن شرط إسقاط النظام.

المصدر : ساسة بوست 

تعليق واحد

  1. الكلام منطقي وموزون وبعيد عن التشدد والغلو الذي عهدناه من داعش الغدر والخيانة وأختها جبهة تحرير الشام ( القاعدة ) واذنابهما في سوريا الحبيبة والتي تسببت بكوارث على الشعب السوري البطل وأدت إلى تدخل خارجي زاد من آلام السوريين وخاصة عندما افتضح امرهما بالتعاون مع النظام السوري على مستوى القادة والصف الأول وعلم الشعب السوري بهذه الخيانات بعد أن خدع بهم لسنوات وايقن بأنهم صنيعة أجهزة عالمية للمخابرات الدولية يحركونهم كاحجار الشطرنج هذه هي الحقيقة التي ايقنها الشعب السوري ولم تخدعه

زر الذهاب إلى الأعلى